حرصت دارة الملك عبدالعزيز على توثيق مختلف تفاصيل النهضة التي مرّت بها الدولة السعودية في جميع المجالات من صناعة وتجارة وزراعة وصحة وغيرها من جوانب الحياة كالجانب التنموي حيث أفنى الملك المؤسس عمره، في مواجهة تحديات الحياة في الجزيرة العربية التي كانت ترزح تحت وطأة التناحر والخوف والهلع وشظف العيش، ليؤسس دولة فتية تتمتع بالأمن والاطمئنان والخيرات الوفيرة، ويقف لها العالم احترامًا وتقديرًا.
واهتم الملك عبدالعزيز منذ بداية التأسيس بجناحي الاستقرار لضمان توحيد البلاد، عبر الأمن والعلم، وتجلى ذلك بعد ضم الحجاز في عام 1925م، وكان في إقليم الحجاز حينها بعض من التنظيم الإداري والأمني نظرًا للحاجة في مواسم الحج والعمرة.
وقرر الملك عبدالعزيز إنشاء مديرية الشرطة في منطقة مكة المكرمة، تبعها بعد مدة قصيرة إنشاء مديريات للشرطة في المدينة المنورة والرياض والطائف، مبررًا تلك الخيارات من المناطق كمرحلة أولى نظير الرؤية من الملك المؤسس للاهتمام بالحجاج والمعتمرين وضمان أمنهم وتأدية المناسك بطمأنينة.
ولم تكتمل أعوام خمسة من ذلك التاريخ حتى أنشئت مديريات للأمن في الأحساء والظهران شرقًا، وأبها ونجران جنوبًا، ورابغ وتبوك وينبع والوجه على الساحل الغربي والشمال الغربي، لتحقيق الغاية الأساسية من ضمان أمن الحدود واستتباب الأمن الداخلي بها.
وذكر الباحث الدكتور صبري الحمدي في كتابه "حركة التحديث في السعودية (1926 - 1953)" أنه بعد إنشاء "مديرية الشرطة العامة" في مكة المكرمة، تم التوسع بشكل كبير في أعمال المديرية، فشُكلت شرطة حماية الأخلاق وشُعَب التفتيش والمحاسبة، وأصبحت لتلك المديرية أقسام إدارية، منها شعبة التفتيش العام ومكتب مراقبة الأجانب والجوازات والجنسية، والمرور، وشعبة التجنيد، والمجلس التأديبي العام، وقسم عدلي يهتم بالقضايا الجنائية وضبط المجرمين، كذلك أنشئ قسم إداري يعنى بتنظيم الدوريات للحراسة العامة، إضافة إلى ذلك أنشئت "مصلحة خفر السواحل" عام 1927 لمراقبة سواحل السعودية الممتدة لأكثر من ألف ميل على البحر الأحمر والخليج العربي.
وعلى نهج المليك المؤسس، سار أبناؤه من بعده مطبقين أحدث العلوم والنظم والتقنيات في مجال حفظ الأمن، وقد أخذت وزارة الداخلية على عاتقها مسؤولية خدمة المواطنين والمقيمين عن طريق تحقيق الأمن والاستقرار والطمأنينة، ومر تاريخ الوزارة وتشكيلها وقطاعاتها المختلفة بتطور إداري وتنظيم متواصل.
وكانت أعمال الشؤون الداخلية جزءًا من أعمال النيابة العامة في الحجاز، ولم يوضع أي ترتيب للتفريق النوعي بين أعمالها وأعمال النيابة حتى صدور نظام مجلس الوكلاء عام 1931م، الذي أبقاهما معًا، لكن أوضح أعمال كل منهما، ونص على كون وزارة الداخلية مرجعا لدوائر الصحة والمعارف والبريد والبرق والكرنتينات والشرطة العامة والمحاكم الشرعية والبلديات، فكان النائب العام الأمير فيصل بن عبدالعزيز، يوقع فعليًّا على ما يتعلق بهذه الدوائر بصفته وزير الداخلية، وعلى غيرها بصفته النائب العام.
وأدمجت الوزارة في عام 1934م في ديوان رئاسة مجلس الوكلاء، وأصبحت أعمال وصلاحيات وزارة الداخلية من اختصاص رئاسة المجلس، حتى أعيد تشكيلها وزارة مستقلة بأمر ملكي في يونيو 1951م، وعين الأمير عبدالله الفيصل وزيرًا لها، إضافة إلى قيامه بالوكالة في النيابة، وكان مركز الوزارة في البداية في مكة المكرمة.
وفي عام 1370هـ أعيد إنشاء وزارة الداخلية، بالمرسوم الملكي رقم 5/11/8697 وتاريخ 26/ 8/ 1370هـ، فأصبحت الوزارة مسؤولة عن الإدارة المحلية الممثلة في إمارات المناطق والقطاعات الأمنية في منطقة الحجاز.
وبعد أن انتقلت الوزارة من الحجاز إلى الرياض في عام 1375هـ تولت الإشراف تدريجيًّا على مناطق المملكة، حتى اكتمل إشرافها في عام 1380هـ.