تتداخل وتتقاطع التقنيات والتكنولوجيا الحديثة وما تجلبه من تقدم علمي مع الكثير من الجوانب الحياتية للبشر، لما تقدمه من حلول لكثير من معضلات الحياة، ومن بين تلك التقنيات التي جلبها التقدم العلمي "التقنية الحيوية".
ويُعرف "مكنز (معجم) البيئة متعدد اللغات" التقنية الحيوية أو البيوتكنولوجي (Biotechnology)، بأنها مزيج من علم الأحياء (البيولوجيا) والتكنولوجيا (التقنية)؛ حيث يستخدم هذا المصطلح لوصف التطورات في توظيف الكائنات الحيوية للأغراض التجارية والعلمية. ومن ثم فإن البادئة التي تعني "حيوي" ترمز إلى البيولوجيا وعلم الحياة أو الأدوات والطرائق الموجودة في جعبة علماء التقنية (التكنولوجيا) الحيوية. وتتضمن هذه الأدوات والطرائق الكائنات متناهية الدقة ومجموعة من الأساليب للتحكم فيها مثل الهندسة الوراثية.
وتركز "التقنية الحيوية" على دراسة الجانب الجيني للكائن، وعلى طرق وتقنيات نقل الجينات من كائن إلى آخر لتعديل صفة ما أو تحسين عيب، وتعد واحدة من التقنيات التي تستخدم النظم البيولوجية، مثل الكائن الحي أو الأجزاء المرتبطة به لتطوير وصناعة منتجات مختلفة.
هذا الجانب المهم والحيوي من ذلك العلم الواسع، تدركه السعودية وتدرك حجمه بالنظر إلى حجم مجال التقنية الحيوية في البلاد، وكونها أكبر سوق للأدوية الحيوية في المنطقة بقيمة تتجاوز 1.3 مليار دولار. كما تتنبأ تحليلات السوق بأن يسهم القطاع بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بحلول عام 2040، وأن يضيف أكثر من 30 مليار ريال سعودي (8 مليارات دولار)، وأن يوفر نحو 11 ألف وظيفة في السعودية بحلول عام 2030 قابلة للزيادة.
وسعياً لتعظيم تلك الفرص الاقتصادية في هذا المجال، وتعزيز مكانة المملكة كدولة رائدة فيه، أطلق سمو ولي العهد، رئيس الوزراء الأمير محمد بن سلمان الاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية، التي تمثل خارطة طريق شاملة لتصبح المملكة مركزاً عالمياً للتقنية الحيوية بحلول عام 2040م.
تركز الاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية على 4 توجهات استراتيجية وهي: اللقاحات، بهدف توطين صناعة اللقاحات وتصديرها، وقيادة الابتكار فيها، بالإضافة إلى التصنيع الحيوي والتوطين؛ لزيادة استهلاك الأدوية الحيوية وتوطينها وتصديرها، وكذلك الجينوم؛ بهدف الريادة في أبحاث علم الجينوم والعلاج الجيني، وأخيرًا تحسين زراعة النباتات لتعزيز الاكتفاء الذاتي، وقيادة الابتكار في مجال البذور المحسّنة.
وتعمل الاستراتيجية على تمكين الصناعة المحلية في مجال التقنية الحيوية، عبر تسهيل المتطلبات التنظيمية، وتوفير البنية التحتية المناسبة والتمويل، وستُسهم الاستراتيجية ببرامجها ومُبادراتها العديدة في تحفيز الجهود المبذولة لإيجاد الفرص لمُستثمري القطاع الخاص في هذا المجال، وتطوير المواهب المحلية، واستقطاب الخبرات الأجنبية لتعزيز النمو والابتكار.
وتمتلك المملكة المؤهلات اللازمة لريادة القطاع إقليمياً وعالمياً؛ إذ إنها أكبر سوق إقليمي في مجال الأدوية واللقاحات بقيمة تتجاوز 1.3 مليار دولار، إلى جانب استثمارها في القطاعات المرتبطة بالتقنية الحيوية، ودعمها لتأهيل الكوادر الوطنية وتدريبها في مجالات البحث والتطوير والابتكار، فضلاً عن حرصها على تمكين البيئة التنظيمية والبنية التحتية التنافسية والرقمية، كما يوفر التنوع الجيني في المملكة ومناخها الجغرافي ظروفاً مثالية لإجراء الدراسات والأبحاث المعقدة.