للحرف اليدوية أهميتها الخاصة في كل ثقافات العالم، فهي تُشكل جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية، وتعكس في مجملها صورة شاملة عن البُعد الثقافي الذي يتمتع به أي موطن بالعالم، وفي معرض "بنان" الذي تنظمه هيئة التراث بواجهة روشن في الرياض، تظهر الحِرف اليدوية السعودية كرمز حي يعبر عن العمق الثقافي والحضاري للملكة العربية السعودية، حيث يسلط المعرض الضوء على هذه الفنون التقليدية التي تناقلتها الأجيال؛ لتكون رابطاً متيناً بين ماضي وحاضر المملكة، ودعاماً أساسياً لمستقبلها الثقافي.
تمثل الحِرف اليدوية جزءاً من التراث غير المادي للمملكة، حيث تتنوع الحِرف بين حياكة السدو، وصناعة الفخار، والنقش على المعادن، وصناعة المجوهرات، والمطرزات التقليدية، إلى جانب الخط العربي، وغيرها العديد، فقطاع الحرف اليدوية بالمملكة يزخر بـ 51 حرفة تحمل في مجملها بصمة من تاريخ المناطق السعودية المختلفة، وتعبر عن بيئتها وثقافتها.
وفي جناح بيت الحرفيين، تقدم أحد الحرفيات شرحاً مفصلاً حول صناعة الحلي التقليدية التي تشتهر بها منطقة الرياض، وتقول: "كل قطعة نصنعها تحكي قصة عن عاداتنا وتقاليدنا، وهي ليست مجرد زينة، بل هي رمز للانتماء".
تطوير الحِرف اليدوية بالقطاع التراثي في المملكة بطريقة تواكب حداثة العصر الحالي، مع الحفاظ على جوهرها التقليدي يُعد أحد أبرز أهداف معرض "بنان"، حيث يقدم الحرفيون والحرفيات في المعرض أعمالاً تمزج بين التراث والابتكار، مثل استخدام تقنيات حديثة في صناعة الفخار أو دمج الزخارف التقليدية مع تصميمات معاصرة تناسب الأذواق العالمية.
وتقول إحدى المشاركات، وهي حرفية شابة تعمل في التطريز: "تعلمت التطريز منذ الصغر، وأضفت لمسات عصرية باستخدام ألوان وتصاميم تلائم الأجيال الجديدة، الهدف هو أن يبقى التراث جزءاً من حياتنا اليومية".
لا تقتصر جهود هيئة التراث في معرض "بنان" في الحفاظ على الحِرف اليدوية فقط، بل تركز على نقلها للأجيال القادمة من خلال ورش العمل التفاعلية، وفي إحدى تلك الورش، يجتمع الأطفال لتعلم أساسيات صناعة مختلف الحرف، كما يتعلم الزوار من فئة الشباب خطوات تفصيلية عن تشكيل القطع الخوصية، أو تطعيم القطع القماشية بالزخارف التقليدية.
تمثل الحِرف اليدوية فرصة اقتصادية مهمة للحرفيين ورواد الأعمال، ويتيح معرض "بنان" منصة لعرض منتجاتهم الحرفية وتسويقها لجمهور محلي ودولي، مما يسهم في دعم الاقتصاد الثقافي وتوفير دخل مستدام للحرفيين.
من خلال الجمع بين الحفاظ على التراث وتطويره، تسهم الحِرف اليدوية في تعزيز الاستدامة الثقافية، ويدعم "بنان" هذا التوجه من خلال تمكين الحرفيين، وتشجيعهم على ابتكار تصاميم تناسب متطلبات السوق الحديثة دون التفريط في القيم التراثية.
في معرض "بنان"، يصبح التراث السعودي شاهداً على قدرة المملكة في الحفاظ على هويتها الثقافية، مع المضي قدماً نحو المستقبل، ومن خلال الجمع بين التقاليد والابتكار، تتحول الحِرف اليدوية إلى لغة عالمية تعبر عن عمق الثقافة السعودية وتنوعها، مما يضمن استمراريتها كجزء حي من الهوية الوطنية.
ومنه نستنتج أن الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية يشكل منصة تؤكد على أن الحِرف اليدوية ليست مجرد إرث اكتسبناه من الماضي، بل هي جسر يربط الأجيال ببعضها، ويعبر بالثقافة السعودية نحو مستقبل مليء بالإبداع