"فنون بلاغية" في أعظم سور القرآن التي تُحاج عن صاحبها.. هنا جانب من أسرار "آل عمران"

في حلقة "سبق" الرمضانية الخامسة من "قبسات بلاغية" مع الدكتور "الخريصي"
"فنون بلاغية" في أعظم سور القرآن التي تُحاج عن صاحبها.. هنا جانب من أسرار "آل عمران"
تم النشر في

تُعد سورة "آل عمران" من أعظم سور القرآن الكريم التي تُحاج عن صاحبها يوم القيامة، وجاءت في ثالث السور القرآنية (مدنية)، وفي (مئتي) آية، وسميت بهذا الاسم؛ لذكر قصة آل عمران في الآية (33)، واحتوت على أشكالٍ متنوعة من فنون القول.

وسُميت سورة "آل عمران" بالزهراء، حيث قال عنها - صلى الله عليه وسلم -:"…اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أو كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أو كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما…". وعن ذلك قال الشيخ العلّامة محمد بن عثيمين - رحمه الله -: "الزهراوين تثنية زهراء وهي البيضاء الناصعة ومنه الزهرة تكون في الشجرة بيضاء ناصعة، وإنما كانت كذلك من بين سائر القرآن لما يشتملان عليه من الأحكام العظيمة والمواعظ النافعة".

"سبق"، وفي الحلقة الرمضانية "الخامسة" من "قبسات بلاغية"، خصّصت الحديث عن بعض من فنون وبلاغة وعظم سورة "آل عمران"، وتُقدّمها مع دكتور البلاغة والنقد "زيد بن فرج الخريصي".

المقابلة

بداية قال: من أبرز هذه الفنون (المقابلة) التي جاءت في الآية الكريمة (26-27)، في قوله تعالى:( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ*تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، حيث استغرقت المقابلة الآيتين بكاملهما، مما أضاف إليها الجرس المؤثر في النفس، فقرر هذه المعاني المتقابلة، وزادها وضوحاً، وقرّبها إلى الأذهان.

المشاكلة

وأضاف "دكتور البلاغة والنقد": ومن الفنون البلاغية (المشاكلة) وهي: "ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقاً أو تقديراً "، وجاءت المشاكلة في الآية (30)، في قوله تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)، ففي قوله: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) مشاكلة؛ لأن الله -عز وجل- يخاطب الناس بما يشابه لغتهم ونفوسهم، كقوله تعالى: (... وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين) سورة الأنفال: 30، فإن الله لا يمكر، ولكن التعبير مشاكل لحالة الكفار.

المجاز المرسل

وأتبع الدكتور "الخريصي": من الفنون البلاغية (المجاز المرسل)، وهو: "استعمال الكلمة في غير معناها الحقيقي لعلاقةٍ غيرِ المشابهة مع قرينةٍ مانعة من إرادة المعنى الحقيقي"، ومن شواهده ما جاء في الآية الكريمة (110)، في قوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، حيث قال: (رحمة الله)، ولم يقل: (الجنة)؛ تنبيهاً على أن المؤمن وإن استغرق عمره في طاعة الله تعالى، فإنه لا يدخل الجنة إلا برحمته تعالى على سبيل المجاز المرسل وعلاقته الحالية؛ لأن الرحمة لا يحل فيها الإنسان، وإنما يحل في مكانها، وهو الجنة.

التدبيج والاستعارة

وواصل حديثه قائلاً: تتضافر الفنون البلاغية في آية واحدة؛ لتقوية المعنى وتوكيده في نفس المخاطب، من ذلك ما جاء في الآية الكريمة (106)، في قوله تعالى: (يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوه وَتَسۡوَدُّ وُجُوه فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ)، فجاءت الكناية في قوله: (يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوه وَتَسۡوَدُّ)، كناية عن الأنس وعن الوحشة، وهاتان الكنايتان داخلتان في فن (التدبيج) وهو: "أن يذكر في معنى- كالمدح أو غيره- ألواناً بقصد الكناية، أو التورية"، وجاءت الاستعارة في: (ذوق العذاب)، حيث شبهه بالمر مما يؤكل، ثم حذف المشبه به، وأبقى شيئاً من لوازمه (الذوق) على طريق الاستعارة التبعية المكنية.

ملكات المخاطب

وختم "الخريصي": تتنوع وسائل الخطاب في القرآن الكريم؛ فتارة يخاطب العقل، وتارة يخاطب الحواس، وتارة يجمع بين سائر ملكات المخاطب؛ لأن ذلك أدعى للإقناع، وأقوى في التأثير، كما في الآية الكريمة (117)، في قوله تعالى: (مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَثَلِ رِيح فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتۡ حَرۡثَ قَوۡم ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَأَهۡلَكَتۡهُۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِنۡ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ)، حيث كان لأسلوب (التمثيل) الأثر في بناء هذه الصورة في نفس المخاطب.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org