مع قرب رمضان.. مخاطر السلوك الاستهلاكي تتضاعف بدعم وسائل التواصل الاجتماعي

يُنظر لها كمضلل ومؤثر بشكل أدق في توجُّه الكثير من المستهلكين للشراء بشكل عشوائي أو غير مبرر
مع قرب رمضان.. مخاطر السلوك الاستهلاكي تتضاعف بدعم وسائل التواصل الاجتماعي

‬مع قرب شهر رمضان المبارك، وبوصفه موسمًا فريدًا، تنهمر الحملات الإعلانية التجارية، وخصوصًا التي تتعلق بالمنتجات الاستهلاكية والكمالية؛ ما يؤثر في سلوك المستهلكين بشكل كبير، وفقًا للكثير من الدراسات والتقارير الإحصائية.

وقد يكون هذا أمرًا واقعًا ومعتادًا غير أن أصابع الاتهام فيما يخص سوء السلوك الاستهلاكي تتجه بالدرجة الأولى لمواقع التواصل الاجتماعي، والمنصات الاجتماعية كافة عبر الإنترنت والهاتف النقال؛ إذ يُنظر لها كمضلل ومؤثر بشكل أدق في توجُّه الكثير من المستهلكين للشراء بشكل عشوائي أو غير مبرر، أو الوقوع في فخ التغرير حول حقائق الإعلانات المضخمة، أو التي لعبت على مشاعر معينة، واستغلت ثقافات لم تصل بعد للنضج الكافي.

هل تشتري ما لا تحتاج إليه؟

في تقرير موسع لموقع (أرقام) الاقتصادي المتخصص، بعنوان (كيف أثرت وسائل التواصل الاجتماعي على سلوك المستهلكين؟)، يقول: يتزايد تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على حياتنا اليومية؛ ليبدو أن الواقع الافتراضي أصبح مختلطًا بشدة مع حياتنا العادية. وأحد أبرز أشكال تأثير الـ"سوشيال ميديا" هو سلوكياتنا وقراراتنا كمستهلكين.

ويستشهد التقرير ببحث لجامعة "توركو" الفنلندية للعلوم التطبيقية بأن 78% من المستهلكين يتأثرون "بشدة" في توجهاتهم الاستهلاكية بما يتعرضون له على السوشيال ميديا، وليس من خلال الإعلانات فحسب بل من خلال متابعة حسابات الأصدقاء أو المجموعات (الجروبات) غير الإعلانية.

انهمار التخفيضات الموسمية

وإذا كانت التخفيضات بالدرجة الأولى هي التي تتصدر الوصول للمستهلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي فإنها -وفقًا لدورية "أويبنيون"- تفوق الضعف عن احتمال تلقي المستهلك عبر الصحافة التقليدية، بينما يصعب قياس احتمال التلقي في إعلانات الشوارع لوجود عوامل كثيرة تحكمها.

هذا، فيما تكشف دراسة لـ"هارفارد" أن 59% من مستخدمي السوشيال ميديا يقومون بعمليات شراء "غير مخطط لها" بناء على ما يشاهدونه عليها؛ وبناء على ذلك يصبح "العرض" على شبكات التواصل الاجتماعي أهم بكثير بالنسبة للشركات عنه على باقي الوسائل الإعلانية.

وتضيف الدراسة بأن 61.5% من مستخدمي السوشيال ميديا يلجؤون للأصدقاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو لصفحات متخصصة من أجل معرفة تقييم سلعة يرغبون بشرائها، ويعتبرونها "مرجعية" لهم، ويتقيدون باختيارات بعض الصفحات أو المشاهير.

هل يتم توجيهك دون أن تشعر؟!

وفي إشارة لا تقل خطورة فإن نسبة كبيرة تنجرف لشراء ما لا تحتاج إليه. تقول دراسة لجامعة "كوسوفو": "السوشيال ميديا تتميز بقدرتها على توجيه قرار الشراء في مختلف مراحله؛ إذ يقول 37% من المستهلكين إنهم أدركوا وجود "حاجة" لشراء سلعة أو الحصول على خدمة من خلال تصفحهم الإنترنت، بل يقر الثلثان بأنهم كثيرًا ما يشعرون بالحاجة لشيء لا يحتاجون إليه فعليًّا. هذا إضافة لسلبيات أخرى لا تقل خطورة، مثل (تناقض) في سلوك المستهلكين في التعامل مع السوشيال ميديا. وفي الوقت الذي يجمع فيه ثلثا المستخدمين معلوماتهم عن السلع من خلالها ترى نسبة لا تتعدى 50% أن وسائل التواصل الاجتماعي تتمتع بمصداقية في معلوماتها.

الوعي الاستهلاكي في خطر

وهنا يمكن القول إن وضع وعينا الاستهلاكي في خطر. يقول البروفسير جيرالد التمان في كتابه (اللا وعي لدى المستهلك) إن 95% من قرارات الشراء لدى المستهلكين تُتخذ دون وعي منهم؛ وذلك بسبب استخدام وسائل خداع ووسائط التأثير التي استطاعت الشركات إيصالها إلى مركز اتخاذ القرار عند الإنسان، وهو ما يسمى بالعقل الباطن.

والحقيقة إن الشركات العالمية تقوم بتصميم سياسات تسويقية بمعايير ذات كفاءة عالية. والهدف من هذه السياسات هو إحداث التأثير في خيارات المستهلك، وجعله أسيرًا لهذه المنتجات. وتقوم هذه الشركات بإرسال فِرق تسويق متخصصة، تجوب دول العالم التي تندمج في هذه المجتمعات، وتحاول دراسة طبيعتها ونمط استهلاكها من خلال استخدام نظريات علمية متطورة في علم النفس. والآن تضاعف خطرها بوجود وسيلة مؤثرة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي.

هل فكرت في اعتزال وسائل التواصل الاجتماعي؟

إن التجريم المطلق لوسائل التواصل الاجتماعي، سواء فيما يخص السلوك الاستهلاكي أو الأضرار الأخرى، مثل شرخ العلاقات المجتمعية، والأمراض النفسية، وغيرها.. هو أمر غير منطقي؛ فلها فوائد في المقابل كثيرة جدًّا؛ فهي تجعل التواصل والحياة أسهل أحيانًا؛ ما يقود إلى ضرورة صناعة الوعي والتحصين، وأنهما الأساس مع أداة لا يمكن الاستغناء عنها.

ومن الطريف هنا أن ما يُعلنه بعض مستخدميها من التوقف عنها خلال شهر رمضان المبارك مثلاً قد لا يبدو منطقيًّا؛ فأنت تعاقب الوسيلة وليس مرتكب خطأ استخدامها.

القلق والمشاعر السلبية

الطريف أن هناك تداعيات حدثت لأشخاص بسبب ابتعادهم عن مواقع التواصل الاجتماعي. يقول ستيفان هوفمان، أستاذ علم النفس بجامعة بوستن الخبير في دراسة المشاعر الإنسانية: إن البعض قد تنتابهم حالة من القلق عند الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي، ويشعرون برغبة ملحة في العودة إليها. ويضيف هوفمان بأن وجود مشاعر سلبية على المدى البعيد تجاه الاستخدام الشخصي لوسائل التواصل الاجتماعي، والفشل في التوقف عن التعلق بها، قد يعززان مشاعر الاكتئاب.

إقبال عالمي متوالٍ

جدير بالذكر أن الإقبال العالمي على مواقع التواصل الاجتماعي لا يتوقف أبدًا. ومن المذهل حقًّا إلقاء نظرة على التنافس بين هذه الوسائل. فمثلاً في إحصائية بنهاية 2022م تخطى العدد الاجمالي لمستخدمي كل مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم 4.33 مليار مستخدم.

ووفقًا لمركز بيو للأبحاث، فإن فئة الأعمار السنية الأصغر هي الغالبة بين المستخدمين (نحو 90٪ من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18و29عامًا يستخدمون شكلا ًواحدًا على الأقل من وسائل الإعلام الاجتماعية).

ويبرز التقرير أنهم أفضل تعليمًا وأكثر ثراء نسبيًّا (يكسبون أكثر من 75000 دولار سنويًّا). والولايات المتحدة والصين تقود قائمة الربح من وسائل التواصل الاجتماعي.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org