ارتكزت كلمة سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، في مستهل بداية قمة جدة للأمن والتنمية، التي جرت أمس السبت في مركز الملك عبدالله الدولي للمؤتمرات بمدينة جدة، على حقائق وتصورات بشأن مستقبل المنطقة.
فقد قدَّم ولي العهد وصفة علاجية متكاملة لآفات المنطقة ومشاكلها المزمنة في خطاب شمولي واقعي؛ إذ صارح ولي العهد الحضور بأهمية تصفير المشاكل في منطقة الشرق الأوسط من أجل غد أفضل؛ فمستقبل المنطقة يتطلب تبنِّي رؤية تضع في أولوياتها تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار.
تلك التنمية المنشودة لن تصل إليها المنطقة إلا عبر إيجاد حلول سياسية واقعية لأزماتها، ومنها أزمتا سوريا وليبيا، وضرورة إنهائهما، وإنهاء معاناة شعبَيْهما.
كما لفت ولي العهد نظر الحضور إلى ضرورة الإسراع في إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وفقًا لمبادرات وقرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية؛ فازدهار المنطقة ورخاؤها يتطلبان حلولاً واقعية وسياسية لأزماتها المستفحلة منذ عقود.
وفي كلمته التي اتسمت بالحكمة الواقعية لم يغفل الأمير محمد بن سلمان عن دعوة إيران إلى التعاون مع دول المنطقة، والالتزام بمبادئ الشرعية الدولية، كما حثَّها على عدم التدخل في شؤون جيرانها، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حيال ملفها النووي المتأزم؛ وذلك حتى تلحق بركب التطور الذي تشهده المنطقة؛ بوصفها بلدًا جارًا، يتشارك الكثير من الروابط الاجتماعية الدينية والثقافية، فضلاً عن التاريخية والجغرافية، مع محيطه.
وضرب الأمير الشاب المَثل بنهج السعودية في تصفير المشكلات، وإيجاد الحلول السياسية والواقعية للأزمات المحيطة، وذلك بالملف اليمني، وشارك الحضور الخطوات التي أقدمت عليها الرياض لدعم جهود المصالحة الوطنية في اليمن، والوصول لحل سياسي، وما تمخض عن ذلك من هدنة هي الأطول حتى الآن منذ الانقلاب الحوثي، والمسارات التي اتبعتها السعودية في تثبيت تلك الهدنة ودعمها للاستمرار، حتى الوصول إلى حل سياسي يمني – يمني، يُنهي معاناة الشعب اليمني، ويعيد اليمن السعيد إلى أبنائه.
تلك الرؤية الاستراتيجية الشاملة التي طرحها ولي العهد لأزمات الشرق الأوسط نابعة من رؤية أشمل للمنطقة، أعلنها الأمير محمد بن سلمان قبل نحو 4 سنوات في مبادرة الاستثمار بالرياض، حينما استعرض الإصلاحات الشاملة اقتصاديًّا واجتماعيًّا، التي أقدمت عليها الرياض، ومدى التطور الحادث في البلدان المجاورة من القاهرة إلى دبي، مرورًا بالدوحة وعمان، وصولاً إلى مسقط والكويت.
وترتكز رؤية ولي العهد لمنطقة الشرق الأوسط على إمكانية تحوُّلها إلى أوروبا الجديدة؛ بما تمتلكه من موارد بشرية وطبيعية، وإمكانات مادية هائلة، تخول لها الوصول إلى هذا الهدف. وأعرب حينها ولي العهد عن رغبته بأنه "لا يريد أن يفارق الحياة قبل أن يرى الشرق الأوسط متقدمًا عالميًّا".
وكعادته في مزج الواقعية بالتفاؤل في تناغم، أبدى ولي العهد تفاؤله بإمكانية الخروج من "قمة جدة" بحلول تدفع عملية "صفر مشاكل" إلى التحقق، قائلاً: "إننا متفائلون بأن تؤدي هذه القمة إلى وضع إطار شامل لمرحلة جديدة، نبعث فيها الأمل لشباب وشابات المنطقة بمستقبل مشرق؛ يتمكنون فيه من تحقيق آمالهم".