عاش قوم ثمود في شمال غرب الجزيرة العربية بالقرب من منطقة تبوك، وبعث الله لهم النبي صالح عليه السلام، وفي يوم اجتمع القوم في ساحة واسعة وحضر لهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله كعادته وذكرهم وحذرهم ووعظهم فطلبوا منه طلبًا غريبًا قالوا "إذا أخرجت لنا من هذه الصخرة - وأشاروا إلى صخرة هناك- ناقة عشراء طويلة وغيرها من الصفات"، فقال لهم النبي صالح عليه السلام: أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم، على الوجه الذي طلبتم، أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به؟ قالوا: نعم. فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك.
ثم قام إلى مصلاه فصلى لله عز وجل ما قدر له، ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا، فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء على الوجه الذي طلبوا.
ولما شاهدوها انبهر القوم ورأوا أمرًا عظيمًا ومنظرًا هائلاً فآمن كثير منهم واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم واتفقوا اتفاقًا على بقاء الناقة بينهم ترعى ما ترعى وتشرب في يوم وهم يشربون في يوم ونهض كفار القوم بخطة عقر الناقة.
وأوحى الله جلّ وعلا إلى نبيه صالح عليه السلام بأن قومه سوف يعقرون الناقة فأخبر صالح عليه السلام قومه أنه سيولد فيهم مولود يعقر الناقة، وقد وصفه نبي الله صالح بأنه أشقر أزرق أصهب أحمر، وقد كان في قوم صالح شيخان عزيزان لأحدهما ولد وللآخر ابنة واجتمعا يومًا في مجلس فقال أحدهما للآخر ما يمنعك أن تزوج ابنك لابنتي فإنها كفء له فاتفقا على تزويجهما، فتزوجا فولد لهما المولود الشقي.
وكان هناك ثمانية رهط في المدينة يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فاتفقوا على انتداب نسوة من القوابل معهم شرط ليمروا على كل مولود، فإن كان غلامًا قتلوه، وإن كانت بنتا تركوها وعندما وصلوا إلى المولود الذي وصفه نبي الله منعه أجداده من الظهور فكان هذا المولود مختلفًا عن غيره من المواليد؛ فهو يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة، ويشب في الجمعة كما يشب غيره في الشهر، ويشب في الشهر كما يشب غيره في السنة.
وعندما كبر استعمله قومه ثمود على أنفسهم فأصبح الرهط الذين يفسدون في الأرض تسعة بعد أن كانوا ثمانية وجاء النساء يذكّرن القبيلة في قتلها، وحسرن عن وجوههن ترغيبًا لهم في ذلك.
وترصد مصدع وقدار بن سالف للناقة بعد أن زينا لقومهما ذلك الفعل وترصدا للناقة فرماها مصدع بسهم فانتظم عظم ساقها ثم تقدم إليها قدار فكشف عن عرقوبها فسقطت على الأرض، ثمّ نحرها في لبتها فرغت رغاة واحدة عظيمة تحذر ولدها، ثم طعن في لبتها فنحرها وانطلق سقبها وهو فصيلها فصعد جبلاً منيعًا ورغى ثلاثًا.
العذاب المهين
حزن النبي والمؤمنون وقال إن الله قد أقر عذابهم بعد ثلاثة أيام وبعد ثلاثة أيام أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم ورجفة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس وسكنت الحركات وخشعت الأصوات وحقت الحقائق فأصبحوا في دارهم جاثمين جثثًا لا أرواح فيها ولا حراك بها.