
أكد السفير عبدالله المعلمي، المندوب الدائم السابق للمملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة، أن الطريق إلى سلام مستديم في الشرق الأوسط يمر عبر الاعتراف الكامل بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس، محذرًا من أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي وجرائم الحرب في غزة يشكلان العائق الأكبر أمام تحقيق السلام في المنطقة.
جاء ذلك خلال مشاركته في ندوة نظمها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالتعاون مع جامعة تشنغهوا الصينية، تحت عنوان: «بناء سلام مستدام في الشرق الأوسط»، وذلك في العاصمة الصينية بكين، بحضور الأمير تركي الفيصل، وبمشاركة الوزير المصري الأسبق نبيل فهمي، والوزير الأردني الأسبق عبدالإله الخطيب، إلى جانب نخبة من الأكاديميين والخبراء والدبلوماسيين.
وأشار المعلمي إلى أن الحرب الجارية في غزة كشفت فشل الحلول العسكرية، مؤكدًا أن فكرة التهجير القسري لا تحظى بأي قبول عربي، بل إن العالم بأسره بات يرفض أي شكل من أشكال التطهير العرقي مهما جرى تجميله أو تبريره. وأوضح أن المملكة، بالتعاون مع فرنسا، تعمل على تنظيم مؤتمر دولي لتعزيز الاعتراف بالدولة الفلسطينية، داعيًا إلى تعبئة الجهود الدولية، وفي مقدمتها السعودية والصين، للضغط من أجل اعتراف أوسع، لا سيما مع تنامي التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية، خصوصًا في أوروبا وأمريكا الشمالية.
وأضاف أن السلام لا يمكن أن يُبنى على التفوق العسكري أو فرض الأمر الواقع، بل يجب أن يستند إلى العدالة والاعتراف بالحقوق المشروعة. كما أثنى على الدور المتنامي للصين في الساحة الدولية، معتبرًا أن الشراكة الصينية–السعودية تمثل قوة دافعة للتوازن والاعتدال في النظام العالمي، داعيًا إلى تسخير التقدم التقني والاتصالي لنشر الوعي ودعم قضايا العدل، بدلاً من استخدامه لتزييف الحقائق وتبرير الانتهاكات.
من جهته، تناول الوزير نبيل فهمي مستقبل النظام الدولي في ظل التحولات العالمية الجارية، مؤكدًا أن القوى الصاعدة، خصوصًا من دول الجنوب، مطالبة بلعب دور محوري في بناء نظام دولي أكثر عدالة وتعددية. وشدد على أن إصلاح مؤسسات الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن، لم يعد ترفًا بل ضرورة، تفرضها ازدواجية المعايير القائمة.
ودعا فهمي إلى استثمار الذكرى السبعين لإعلان باندونغ لإطلاق مبادرة تقودها دول الجنوب، تهدف إلى تعزيز التمثيل العادل في المؤسسات الدولية، وضبط استخدام الفيتو، وتمكين الدول النامية من الوصول العادل إلى التكنولوجيا والموارد. كما أشار إلى أن الأزمة لا تكمن فقط في ضعف التمثيل، بل في تآكل الثقة بمصداقية المؤسسات الدولية، مشددًا على أهمية تشكيل تحالفات عقلانية منفتحة قادرة على إحداث زخم سياسي يفرض أجندة إصلاحية واضحة.
أما الوزير عبدالإله الخطيب، فقد دعا الصين والدول المؤثرة في المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف الحرب في غزة، ووضع حد للانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المدنيون. واعتبر أن التغاضي عن هذه الجرائم لا يهدد الفلسطينيين وحدهم، بل يهدد أمن المنطقة بأسرها، ويزيد من احتمالات اتساع رقعة الصراع خارج حدودها.
كما شدد على أهمية جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، معتبرًا أن ذلك يخدم الأمن والسلم العالميين، ويمنع نشوب سباقات تسلح خطيرة. ودعا إلى مبادرة دولية وإقليمية تعيد الاعتبار لسيادة القانون الدولي، وتضع حدًا لمنطق القوة والإفلات من العقاب.
واتفقت كلمات المتحدثين على أهمية دعم التعاون الدولي العادل، ورفض الهيمنة، وتمكين الشعوب من حق تقرير المصير، مؤكدين الدور الإيجابي الذي يمكن أن تؤديه الصين في قيادة تحولات بنّاءة نحو نظام عالمي أكثر استقرارًا وعدالة.