خير ماء وأقدس بقعة.. "زمزم".. قصة بئر من "واد بلا زرع" إلى "رعاية العهد السعودي"

عند الحرم وقرب الركن والمقام يقع ويشرف بسقيا حجاج بيت الله الحرام وزواره وجيرانه
بئر زمزم
بئر زمزم

تقع بئر زمزم شرق الكعبة المشرّفة بصحن المطاف محاذية للملتزم، وهي بئر قديمة العهد ترجع إلى زمن إسماعيل -عليه السلام-، عندما ترك أبو الأنبياء إبراهيمُ -عليه السلام- زوجته السيدة هاجر -عليها السلام- مع طفلها إسماعيل في وادٍ لا زرع فيه ولا ماء؛ حينها تساءلت تقول له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيعنا.

تآنست السيدة هاجر بالله في الظلماء، حتى نفد ما لديها من زاد وماء، والطفل يتلوى حولها، تسعى فتبحث عن الماء، مهرولة بين الصفا والمروة، وإذا بجبريل -عليه السلام- يحمل الأمن إليها مسرعًا، يبحث بعقبه في الأرض، فينبثق الماء، فجعلت تحوّضه، وتغرف منه في سقائها، وهو يفور بعدما تغرف.

وماء زمزم علم لهذه البئر، وقد نقل ابن منظور في لسان العرب عن ابن بري اثني عشر اسمًا لزمزم ، فقال: "زَمْزَمُ، مَكْتُومَةُ، مَضْنُونَةُ، شُباعَةُ، سُقْيا الرَّواءُ، رَكْضَةُ جبريل، هَزْمَةُ جبريل، شِفاء سُقْمٍ، طَعامُ طُعْمٍ، حَفيرة عبدالمطلب".

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله -صل الله عليه وسلم-: "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام الطعم ، وشفاء السقم" رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه.

وماء زمزم نبع في أقدس بقعة على وجه الأرض: عند بيت الله الحرام، وقرب الركن والمقام، واختار رب العزة هذا المكان عند بيته المعظم؛ ليكون سقيا لحجاج بيت الله الحرام وعماره وزواره وجيرانه ‏بئر زمزم يستقبل مياهه من صخور قاعية من العصور القديمة عبر ثلاثة تصدعات صخرية تمتد من تحت الكعبة المشرفة، ومن جهة الصفا، ومن جهة المروة، وتجتمع في البئر.

وعن ذرع بئر زمزم فيقول الأزرقي: (أنا صليت في قعرها، فغورها من رأسها إلى الجبل أربعون ذراعًا (22.45م)، ذلك كله بنيان، وما بقي فهو جبل منقور، وهو تسعة وعشرون ذراعًا (16.28م).. وعلى البئر ملبن ساج مربع فيه اثنتا عشرة كرة يستقى عليها)، إن جدار البئر من الداخل محكم التلييس بعمق (14.80م) من فوهة البئر، وتحت هذا العمق توجد فتحتان لتغذية البئر: إحداهما متجهة إلى جهة الكعبة المشرفةّ، والثانية إلى أجياد، ثم يــأتي جــزء منقور في الجبل بعمق (17.20سم).

أما في العهد السعودي الزاهر، فقد كان إلى وقت قريب تُستخدم الدلاء لاستخراج ماء زمزم من البئر، حتى أمر الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بتركيب مضخة عام 1373هـ تضخ ماء زمزم إلى خزانين علويين من الزنك، ووُصِّل بكل خزان اثني عشر صنبورًا موزعة حول البئر لاستخدامها إلى جانب الدلاء حسب الرغبة، ثم أزيلت المباني المقامة على البئر وفي سنة 1382هـ، وصدر الأمر السامي الكريم من الملك سعود بتوسيع المطاف، فخفضت فوهة البئر أسفل المطاف في قبو عمقه (2.7) م، يتم النـزول إليه بدرج ينقسم إلى قسمين: أحدهما للرجال، والآخر للنساء، وبهذا تكون قد انتهت مرحلة الدلاء نهائيًا، واستبدلت بالصنابير، وتم تطوير البئر إلى أبدع ما يكون، وتم ذلك عام 1383هـ.

وفي عام 1399هـ صدر أمر الملك خالد -رحمه الله- بتنظيف بئر زمزم على أحدث الطرق وأتم وجه بوساطة غواصين متمرسين، وكان هذا العمل من أعظم أعمال التنظيف في تاريخ بئر زمزم، ونتج عنه أن فاضت البئر -بفضل الله- بماء أغزر مما كان بكثير وأصبح ماء زمزم متاحًا في كل أنحاء الحرم المكي الشريف.

وفي عام 1424هـ وفي عهد الملك فهد -رحمه الله- ارتأت الدراسات الخاصة بالمسجد الحرام ضرورة تغطية مداخل قبو زمزم للاستفادة القصوى من صحن المطاف الذي يئن في فترات الزحام بالمعتمرين والحجاج، وتسهيلاً عليهم وحفاظًا على سلامتهم؛ تم ذلك بتسقيف مداخل القبو المؤدية للبئر.

وتنحية نوافير الشرب إلى جانب صحن المطاف، حيث أدت هذه الأعمال إلى زيادة صحن المطاف بمقدار (400) متر مربع مما أدى إلى استيعاب أكبر عدد من المصلين، وسهل حركة الطواف حول الكعبة.

وحرصاً على نظافة مياه زمزم وخلوها من الملوثات أمَّنت رئاسة شؤون الحرمين مختبرًا لتحليل مياه زمزم يتولى الإشراف على جميع مراحل تعقيم مياه زمزم، وكذا متابعة ملء سيارات الصهاريج الناقلة لمياه زمزم والمخصصة للمسجد النبوي الشريف؛ حيث يزود المسجد النبوي بمياه زمزم على مدار الساعة من محطات التعبئة بسبيل الملك عبد العزيز بكدي ويتم تعقيم مياه زمزم بالأشعة فوق البنفسجية دون إضافة أي مواد كيماوية.

ويصل مستوى التعقيم من البكتيريا والفيروسات إلى نسبة (99.77%)؛ حيث الكيلو واط الواحد من الكهرباء يقوم بتعقيم (12000) جالون من الماء، ومن مميزات طريقة التعقيم هذه ضمان عدم تغير لون ماء زمزم أو طعمه أو رائحته.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org