سبق أن طرحت عبر مجلة اليمامة مقترحًا وفكرة مرورية قبل 24 عامًا، وللأسف لم تجد طريقها إلى التنفيذ، على الرغم من توصية معالي وكيل وزارة الداخلية بوجاهة الفكرة وتأييدها، وذلك عبر "تعميم" صادر من قِبل شعبة التخطيط والتنظيم بإدارة مرور الرياض (تم تزويد رئيس التحرير بصورة منه). وتتمثل الفكرة في عدم السير على المسار الأيسر في الطرق (السريعة) إطلاقًا إلا في حالة التجاوز فقط، وبعد التجاوز يقوم قائد السيارة بالرجوع مرة أخرى لمساره السابق؛ لأنه - كما نعلم - عكس السرعة (السير ببطء عبر المسار الأيسر هو أحد العوامل الرئيسية في كثرة الازدحام، وقد يكون هو السبب الأول)؛ إذ تجد بعض قائدي السيارات يسلكون المسار الأيسر، ويسيرون ببطء في هذا المسار بسرعة لا تتجاوز 80 كيلومترًا في الساعة (مع العلم بأن السرعة المسموح بها عبر هذا المسار 120 كيلومترًا). وإذا قست المسافة بينه وبين السيارة التي أمامه فستجدها نحو 700 إلى 900 متر، وقد تكون أكثر، ومع ذلك تجده متمسكًا بالمسار الأيسر، ولا يفتح المجال للآخرين؛ وهو ما يعطل الحركة، ويربك الآخرين، ويضطر قائد السيارة الذي خلفه إلى ارتكاب الخطأ عن طريق التجاوز من خلال المسار الأيمن؛ وهو ما يسبب ازدحامًا وارتباكًا وتعطيلاً لحركة السيارات في هذا الطريق، وتنتج منه بعد ذلك حوادث لا تُحمد عقباها. ولو سألت قائد السيارة الذي سلك المسار الأيسر فإنه لا يعلم ما هو الخطأ الفادح الذي ارتكبه ونتج بسببه هذا الازدحام، ولكنه أخطأ في سلك المسار الصحيح؛ ما دعا قائد السيارة التي خلفه إلى أن يتجاوزه عن طريق المسار الأيمن، ومن هنا تبدأ نقطة البداية "الكارثة"؛ إذ إن عملية الانتقال من مسار إلى آخر تُحدث الازدحام (والسرعة الجنونية عبر مسار الطوارئ) والربكة للمرور.. ولك أن تحسب كم سيارة سوف تتجاوز قائد هذه السيارة المصر (الرابض كسلحفاة) على سلك هذا المسار الأيسر بسرعة بطيئة. مع العلم بأن قائدي هذه السيارات الذين سوف يتجاوزونه من الجهة اليمنى لا تقل سرعتهم عن 100 كيلومتر، ثم يضطر أحدهم إلى سلك المسار الأوسط، ولا يتعدى سرعة قائدي هذا المسار 80 كيلومترًا. وبعضهم لا يستطيع سلك المسار الأوسط؛ ما يجعله يتجه إلى أقصى المسار الأيمن لتفادي الموقف، ويصبح قائد هذه السيارة يتخبط يمنة ويسرة؛ ما يربك قائدي السيارات في هذا الطريق. ولو رجعنا قليلاً إلى الوراء لوجدنا أن السبب الرئيس والأول والأوحد والأوكد في ارتباك قائدي السيارات ووقوع الحوادث والازدحام هو قائد هذه السيارة "السلحفاة" الذي سلك المسار الأيسر، وظل سائرًا فيه ببطء، وطبَّق الصحيح من حيث عدم السرعة، وترك الأصح بتمسكه بهذا المسار، ولم يبالِ بالآخرين، ولم يحرص على مشاعرهم.
إن سلوكيات هؤلاء السائقين الذين أشبه ما يكونون بـ"سلاحف الطريق" تضاعف وقوع حوادث الاصطدام من الخلف، أو حتى التهور بسبب وجود مركبات أخرى تسير بسرعات كبيرة؛ ما يجعل قائدي المركبات الذي يسيرون بسرعات كبيرة غير قادرين على التحكم بمركباتهم لتفادي المركبات التي تسير ببطء دون الحد لمعدل السرعة المسموح به.. بل تجد قائد هذه السيارة مصرًّا على سلك المسار الأيسر إلى أن يصل إلى المكان الذي يريد، وعدم النظر إلى السيارات التي حوله، وإغفال صوت المنبهات التي خلفه، وعدم النظر في المرآة التي أمامه إطلاقًا؛ إذ يعتقد أن المسارين الآخرين لا يوصلانه إلى المكان الذي يريد؟!!
لذا يجب تشديد الرقابة وتكثيف عمليات الضبط المروري بحق معرقلي حركة السير والمرور الذين يقودون مركباتهم بسرعات تقل عن الحد الأدنى للسرعة المقررة؛ لأن القيادة البطيئة على الطرق السريعة تتسبب في إرباك الآخرين، وتعرقل حركة السير، وتزيد من زمن الرحلة، فضلاً عن أنها تكون أحد أسباب الحوادث بين المركبات، وتؤدي إلى وفيات وإصابات، وفق خبراء في المرور ودراسات حديثة. كما يجب أن يتم وضع لوحات لأهمية عدم قيادة المركبة عن الحد الأدنى للسرعة المحددة للمسار، وتوعية هذه الفئة من قائدي السيارات بخطورة السرعة البطيئة، وتوجيههم بالقيادة على المسار الأيمن من الطريق. وحسب دراسات مرورية، فإن سير المركبات بسرعة بطيئة لا يعد مشكلة خطيرة إذا كانت المركبة ملتزمة بالمسار الأيمن للطريق، أما القيادة البطيئة في المسارين الأوسط والأيسر من الطريق السريع فتؤدي إلى إرباك الآخرين أثناء القيادة، وتعرِّضهم لمخاطر الحوادث خلال محاولاتهم تخطي المركبات التي تسير ببطء. كذلك يعتبر هذا السلوك تعديًا على حقوق الآخرين على نحو لا يمكِّنهم من القيادة حسب السرعة المحددة في نظام المرور، فضلاً عن تعطيل أعمالهم، والتسبب في الازدحام؛ فقيادة المركبة بسرعة بطيئة لا تقل خطورة عن القيادة بسرعة تتجاوز السرعة المقررة؛ فكلتاهما تشكل خطرًا على مستخدمي الطريق؛ ولا بد من تشديد الرقابة على هذه السلوكيات، وزيادة التوعية المرورية للحد من الحوادث وما تخلفه من إصابات ووفيات. ففي جميع الدول التي لديها أنظمة مرور "حقيقية" وفعالة تستخدم أجهزة لرصد السرعة، لكنها في الوقت نفسه لم تتجاهل ولم تتهاون وتهمل في رصد وضبط المخالفين للأنظمة المرورية الأخرى التي لا تقل أهمية عن السرعة؛ إذ لا يجب التركز فقط على نظام "ساهر" كما هو حاصل لدينا؛ إذ أصبح أداة تحصيل فقط بدون توعية؟!! فمن النادر أن ترى سيارة لرجل المرور تضبط سائقًا لم يلتزم بربط حزام الأمان، أو لم يستخدم إشارات الانعطاف الذي أصبح ظاهرة منتشرة في كثير من قائدي السيارات، أو الإشارات المنبهة الأخرى، كتعطل إضاءة إشارات التوقف "الفرامل" التي غالبًا بسببها ما أقوم شخصيًّا باللحاق بقائد هذه المركبة وإبلاغه؛ فالقيادة خلفه قد تسبب الاصطدام به من الخلف في أي لحظة وبدون مقدمات!! (لأنك لا تعلم حينها متى يضع رجله على دواسة الفرامل؟!!)، أو الذين لا يعترفون بضرورة الالتزام بأحقية من هم بالدوار.. وهذه من أغرب الغرائب!! إذ أصبح المتعارف عليه هنا أن الأحقية لمن هم خارج الدوار؟! بل تجد البعض من قائدي السيارة ممن هم داخل الدوار وله الحق في المسار يبطئ السير، وتستغرب وتتعجب وتُصاب بالدهشة حينما تشاهد مَن بداخل الدوار يقف "وقوفًا تامًا" لإتاحة المرور لمن هم خارج الدوار أمامه؟!! كذلك الذين لا يحترمون ضوابط الانتقال من مسار إلى آخر، وعدم استخدامهم إشارات التنبيه "الانعطاف" في حال انتقاله لمسار آخر.. وهي مخالفات أغلبها تتـسبب في معظم الحوادث. كما أن الكثير من السائقين لا يعرف أو يهتم بالمسافة الآمنة التي يجب أن تكون بين مركبة وأخرى بحسب السرعة، خاصة في الطرق السريعة، ولا يعرف أهمية الحد الأدنى للسرعة في كل مسار، خاصة لمن يريد أن يسلك المسار الأيسر!!
نحن هنا لا نتحامل ونتجنى ونبالغ في طريقة العمل والآلية المتبعة في نظام "ساهر"، بل هو عتاب محب؛ فنظام ساهر يعتبر من الأنظمة الطموحة والمميزة؛ فقد حقق الغرض والهدف المنشود منه، بل نؤكد أننا بحاجة ماسة لتطبيق نظام المرور العالمي تطبيقًا حقيقيًّا جادًّا، وإيصاله كمفهوم سلوكي لجميع شرائح المجتمع، والتوعية الحقيقية بأهميته واحترامه، وتطبيقه بحزم من قِبل رجال المرور عبر وسائل حديثة أكثر دقة، مع إيجاد وتكثيف عدد اللوحات الإرشادية "المحاكاة" في الطرق الرئيسية التي نفتقدها كثيرًا في شوارعنا وطرقنا، وبشكل بارز ومميز، وليس كما هو معمول به الآن (قطعة من الحديد دائرية الشكل بقطر لا يتجاوز 35 سنتيمترًا مدون بها الرقم فقط)!! فالأنظمة الحديثة كنظام ساهر وغيره من أنظمة السلامة والتوعية المرورية يجب أن تتوافر لها الإمكانات المادية والتقنية والبشرية؛ ليتم تفعيلها بما يكفي لسلامة المجتمع من معارك الطرق الدامية، والحوادث المميتة، خاصة ونحن الآن في السنة الأولى من قرار السماح للمرأة بالقيادة، والسنوات القادمة ستتضاعف فيها نسبة النساء اللاتي سيتمكنّ من الحصول على رخصة القيادة؛ وذلك بناء على الإحصاءات الأخيرة لأعداد المتقدمات لمراكز التعليم. فشقائق الرجال سيدخلن هذا الميدان (معترك الطرق والشوارع).. وتغيير الثقافات يحتاج إلى وقت وإقناع.. إلا أنه يعيب على نظام ساهر أنه نظام "جامد"، لا يفرق بين المخالفة الخطرة وغير الخطرة، والمتهور وغير المتهور.. وكأنه وُضع لاستنزاف الجيوب وأكل أموال الناس بالباطل. ونحن نرى بل نؤكد أن المرور قادر على فرض هيبته بقوة وحزم، وليس الاعتماد فقط على (عكاسة كاميرات ساهر)، وترك الميدان للطائش (فلتان) والمتهور (خبلان)؟!!
قبل الختام، وعبر "سبق"، نعيد طرح فكرة "المقترح" بالتعاون مع نظام "ساهر" (القاهر لكل مخالف) بأن يتم إعادة تفعيل وتطبيق فكرة عدم السير على المسار الأيسر، ووضع حد أدنى لهذا المسار إلا في حالة التجاوز فقط، وبعدها يقوم قائد السيارة بالرجوع مرة أخرى لمساره السابق. كذلك تكثيف عدد اللوحات الإرشادية في الطرق السريعة العامة والتقاطعات الخطرة، خاصة المخارج داخل الأنفاق، مع توضيح الفكرة لقائدي السيارات وتعويدهم عليها قبل أن يتم رصدها عبر عاكسات (كاميرات) ساهر، أو المرور السري.. فيجب من مرورنا العزيز، وعلى رأسهم (قائد هرم مرورنا السعودي سعادة اللواء محمد بن عبدالله البسامي)، دعم هذه الفكرة "المقترح"، والإسراع في تطبيقه، والحرص الشديد على ضبط المخالفين؛ فهذه الفكرة لو كتب الله لها التطبيق قبل 24 عامًا لما وصل حالنا إلى ما هو عليه الآن؟!! فنحن متأخرون قليلاً عن الركب في تطبيق بعض الأنظمة المرورية الحديثة كنظام المرور (بول رايد)، وهو مطبق في أمريكا والدول الأوروبية، وهو نظام لا يجيز لمن يقود السيارة بنفسه أو يحمل راكبًا واحدًا فقط أن يستخدم المسار الأيسر، بل يحق فقط لمن يحمل راكبين وأكثر استخدام المسار الأيسر. وفكرة هذا النظام (بول رايد) أنه بدلاً من أن يأتي كل شخص بسيارته إلى عمله أو متجره أو أينما كان مقصده مفردًا أن يأخذ معه زميلين آخرين؛ فهذا يقلل من عدد السيارات المستخدمة للطريق؛ وبالتالي يقل الازدحام. ومن المفترض تطبيق مثل هذا النظام في الطرق التي تواجه زحامًا شديدًا؛ لأنه سوف يساعد على تخفيف الزحام. فعندما يعرف الشخص الذي يركب بمفرده أنه سوف يتأخر يلجأ إلى إركاب أشخاص آخرين معه؛ وبالتالي يقل عدد السيارات؛ ويقل الازدحام. ونشير هنا إلى أن نظام المرور العالمي لم يطبَّق منه لدينا سوى (50 %)؛ لذا نقترح عبر هذه المقالة (إطلاق) إذاعة للسلامة المرورية عبر موجات (إف إم). وتقوم هذه الإذاعة بتوعية قائدي السيارات، وتقديم كل ما هو جديد ومفيد في السلامة والثقافة المرورية، خاصة بعد دخول المرأة هذا الميدان. أما فكرة "المسار الأيسر" فيجب البدء في تطبيقها، والإسراع في وضع اللوحات الإرشادية التي تحدد السرعة الأدنى لسلك هذا المسار. مع العلم بأن شعبة التخطيط والتنظيم بإدارة مرور الرياض قد أصدرت "تعميمًا" برقم 485/ 5/ 2/ 7، وبتاريخ 1416/ 2/ 27هـ؛ وذلك بناء على خطاب مدير الإدارة العامة للمرور برقم 5/ 268/ 1/ 7، وتاريخ 1416/ 2/ 18هـ، والمبني على خطاب معالي وكيل وزارة الداخلية برقم 6610، وتاريخ 1415/ 11/ 4هـ، المتضمن الموافقة واعتماد مقترحنا، "مشفوعة" بمقالنا المنشور في مجلة اليمامة، العدد 1348، بتاريخ 1415/ 10/ 20هـ؛ وذلك نظرًا لوجاهة الفكرة "المقترح"!!
ختامًا.. هل سترى النور هذه "الفكرة" مرة أخرى؟ وهل سيتم تطبيقها فعليًّا بعد هذه السنين التي بلغت أربعة وعشرين صيفًا وشتاء وربيعًا وخريفًا من تاريخ طرحها لأول مرة؟ وهل سيتم التنسيق والاتفاق والتوافق مع نظام (سي السيد "ساهر")؟.. نتمنى، بل نرجو ذلك.