

في خطوة تعكس تطور الفكر العدلي والإنساني في المملكة، يبرز مقترح التوسع في نظام شراء المدة المتبقية من المحكومية ليشمل فئات أوسع من النزلاء، من بينهم المواطنون السعوديون، ونزلاء دور الملاحظة، ومؤسسات رعاية الفتيات، ليكون أحد أهم التحولات في مفهوم العدالة الإصلاحية التي توازن بين العقوبة والتقويم.
ويأتي هذا التوجه مواكبًا لرؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى بناء منظومة عدلية أكثر إنصافًا وإنسانية، تُعنى بإعادة تأهيل الأفراد ودمجهم في المجتمع، دون الإخلال بهيبة النظام أو المساس بحقوق الآخرين.
وقال الدكتور محمد الحربي، مدير عام فرع وزارة الموارد البشرية بالرياض سابقاً ونائب الأمين العام لجمعية البر بالرياض، في حديثٍ لـ«سبق»:
«إن التوسع في نظام شراء المحكومية يعدّ تجسيدًا لعدالة المملكة الإنسانية، التي تمنح الأمل للنزيل في حياة جديدة، وتعزز قيم المسؤولية والإصلاح الذاتي. فالنظام لا يُعدّ تجاوزًا للعقوبة، بل وسيلة بديلة لتحملها بطريقة تتيح للنزيل تصحيح مساره دون أن يفقد ارتباطه بأسرته أو مجتمعه».
وأضاف أن هذه المبادرة ستسهم في تخفيف الضغط على السجون ودور الملاحظة، وتفتح المجال أمام برامج تربوية وتأهيلية موازية لعملية الشراء، لتتحول من مجرد إجراء مالي إلى عملية متكاملة للإصلاح السلوكي والاجتماعي.
يرى مختصون أن شمول السعوديين في هذا النظام يمثل نقلة نوعية، إذ يمنحهم فرصة تجاوز التعثر الأول في حياتهم بمسؤولية وكرامة، خصوصًا في القضايا التي لا تمس الأمن الوطني أو الحقوق الخاصة.
كما أن إدراج نزلاء دور الملاحظة ومؤسسات الفتيات يعكس بعدًا إنسانيًا متقدمًا، يمنع تكريس السلوك المنحرف، ويفتح الباب أمام إصلاح مبكر يضمن اندماجهم الإيجابي في المجتمع.
من الجانب الاقتصادي، يتوقع أن يسهم النظام في تقليل الأعباء المالية والإدارية على الدولة، مع إمكانية توجيه جزء من العوائد المالية لدعم برامج التدريب والتعليم والرعاية النفسية داخل المؤسسات الإصلاحية، بما يحولها إلى مراكز فاعلة للتأهيل والتمكين، لا مجرد أماكن احتجاز.
ويؤكد قانونيون أهمية وجود إطار تشريعي دقيق يحدد الفئات المؤهلة للاستفادة، وآلية احتساب المبالغ، وشروط السلوك والانضباط، على أن تُخصص العوائد لصندوق وطني مستقل لتطوير السجون ودور الرعاية.
كما يُقترح إنشاء لجنة وطنية مشتركة تضم وزارات الداخلية، العدل، والموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، تتولى الإشراف والتقييم المستمر لضمان العدالة والشفافية في التطبيق.
يختتم الدكتور الحربي حديثه قائلاً:
«إن المجتمع الذي يمنح أبناءه فرصة ثانية هو مجتمع واعٍ بعدالته، قوي بوحدته، ومؤمن بأن الإصلاح لا يتحقق بالعقوبة فقط، بل بالرحمة والمسؤولية والأمل».
ويُنتظر أن يشكل نظام شراء المحكومية الموسّع علامة فارقة في مسيرة العدالة السعودية الحديثة، إذ يُوازن بين الصرامة في القانون والرحمة في التطبيق، ليبقى الإنسان محور الإصلاح، والمملكة نموذجًا للعدالة المستدامة في العالم.