بعيدًا عن حقيقة "كورونا"، وهل هي "فيروس" أم غير ذلك، وبعيدًا عن أسبابه، وعن منبعه، ومَن المتسبب به، ومَن نشره.. يبقى كارثة اجتاحت العالم، وكشفت الكثير من الحقائق التي كنا نغفل عنها. ولو تتبعنا هذه الحقائق أو بعضها لوجدنا أن من أهمها بيان مكانة المعلم في المجتمع، وعِظَم الدور الذي يقوم به في حياة الأمم، ومدى تأثيره في هذه الحياة.
فمنذ أن عُلقت الدراسة قبل أسابيع عدة استُنفرت الوزارات والهيئات والشركات والمؤسسات وأولياء الأمور، كلٌّ فيما يخصه، متخذين أقصى التدابير من خطط، وبرامج، وأجهزة؛ فأطلقوا المبادرات، وبحثوا عن الحلول بشتى الوسائل ومختلف الطرق، متَّحدين أحيانًا، وفرادى أحيانًا أخرى.
ولا نريد هنا أن نتطرق لجهودهم جميعًا في هذا المقال؛ فما قدموه كثيرٌ، وما سيقدمونه أكثر؛ فكل منهم قائم بواجبه على الوجه الأمثل؛ فلهم منا الشكر الجزيل، والدعاء بالتوفيق والنجاح.
ولكننا هنا سنعرج على جهود وزارة التعليم، ومؤسساتها، وما قدمت خلال هذه الفترة. فما إن أُعلِن تعليق الدراسة إلا وأعلنت إطلاق منظومة التعليم عن بُعد، وقنوات عين، وزيادة هذه القنوات، وتشغيل البث المباشر لها، وكذلك إعادة البث، وتشغيلها عبر "اليوتيوب"، والتعاون مع المؤسسات التعليمية بإطلاق منصاتها المختلفة التي تخدم التعليم عن بُعد، مثل: "كلاسيرا"، و"كلاس دوجو"، و"قوقل كلاس".. وغيرها.
وكل ذلك ليقوموا بجزء بسيط من دور المعلم، وهو التعليم، وفي فترة وجيزة جدًّا، بينما المعلم يؤدي ذلك على مدى مئات السنين دون كلل أو ملل حاملاً على عاتقه أعظم إرث يرثه الإنسان؛ فقد ورث الأنبياء الذين لم يورِّثوا درهمًا ولا دينارًا، وإنما ورَّثوا رسالة، كان المعلم -على مدى التاريخ- الأجدر بحملها؛ فقد حملها وأداها على الوجه الأكمل؛ فله منا الشكر والتقدير والامتنان والعرفان، والدعاء بالتوفيق والسداد.
وحين توقَّف دورهم عند تقديم المادة العلمية للطالب عبر وسائل التقنية المتعددة كان المعلم –وما زال، وسيبقى- يؤدي دوره كاملاً بالأجزاء التي لا تستطيع الدنيا بأسرها أن تقوم بها، منها: الإدارة الصفية، التوجيه، التربية والتعامل مع عشرات الطلاب في مكان واحد، وتلبية احتياجاتهم..
كل هذه الأدوار، وأكثر منها، يؤديها المعلم يوميًّا صابرًا محتسبًا، مدركًا أن دوره بناء العقول؛ لينهض بالأمة حتى تستعيد مجدها التليد الذي أسهمت في إضاعته..!!
وجعلنا الشاعر محمود غنيم نتذكره:
إني تذكرت والذكرى مؤرقة
مجدًا تليدا بأيدينا أضعناه
وختامًا.. نذكِّر المجتمع بأسره أن يدرك قول الشاعر أحمد شوقي:
قُـم للمعلم وفِّـه التبجيـلا
كـاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف أو أجل من الذي
يبني وينشئ أنفُـسًا وعقولا
ولا ينساه بعد زوال هذه الغمة التي نسأل الله -جل في علاه- أن يخلِّص العالم منها عاجلاً غير آجل.