نشر مؤتمر التعدين الدولي، الذي تنظمه وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية، تقريرًا يتناول رؤية المراكز والمؤسسات البحثية الرائدة الدولية لمستقبل صناعة المعادن والتعدين، وكيف يمكن للمملكة أن تكون محركًا رئيسيًا في تطوير قطاع المعادن على مستوى المنطقة.
وأوضح رئيس معهد شركاء التنمية وشركة كلاريو الاستشارية، بيتر براينت، أن التقرير تناول جهود المملكة العربية السعودية في العمل على إعادة بلورة قطاع التعدين وتعظيم مساهمته في المجتمع، من خلال تسليط الضوء على الابتكارات والقرارات التي ستدعم قطاع المعادن في المستقبل، بالإضافة إلى تسليط الضوء على دور المعادن الحاسم في الوصول إلى اقتصاد منخفض الكربون، وبناء القدرة على مواجهة التغيرات المناخية.
وذكر براينت، أن المملكة العربية السعودية، التي تمتلك مخزونًا من المعادن تقدر قيمته بحوالي 5 ترليونات ريال، ستكون وجهة التغيير التي يحتاجها العالم للتحول للطاقة المتجددة.
وأشار براينت، إلى أن المملكة لديها الفرصة لتبني الابتكارات التي ستدعم قطاع المعادن في المستقبل، بالإضافة إلى إمكانية التواصل مع ذوي العلاقة بالقطاع، من مستثمرين ومجتمعات، وإقناعهم بأهمية الاعتماد على المعادن الاستراتيجية لتقليل انبعاثات الكربون.
وأوضح أن قطاع المعادن في المملكة يستوعب الأفكار والدروس المكتسبة من استراتيجيات تعدين ناجحة مماثلة حول العالم، مشيرًا إلى أنها تسعى إلى بلورة رؤية مشتركة وخارطة طريق حيوية للقطاع، الأمر الذي من الممكن مناقشته في الاجتماع الوزاري للوزراء المعنيين بقطاع التعدين، الذي سيعقد في العاشر من شهر يناير لعام 2023 بمشاركة ممثلي 55 دولة.
من جانب آخر أكد التقرير أن مستقبل خفض الانبعاثات الكربونية لن يتحقق بدون إنتاج المعادن بصورة كبيرة، حيث سيرتفع الطلب العالمي على "المعادن الاستراتيجية"، مثل الليثيوم والجرافيت والنيكل بحلول عام 2050، مؤكداً على أهمية توعية وتثقيف الجمهور والمجتمعات المتشككة بأهمية قطاع التعدين، على اعتباره أن جميع المواد الخام اللازمة لتشغيل سياراتهم وشاحناتهم الكهربائية، وهواتفهم الذكية، والبطاريات القابلة لإعادة الشحن، تأتي جميعها من المعادن.
ولفت التقرير على أنه بدون النحاس، على سبيل المثال، لا يمكن لتوربينات الرياح العمل، ولا يمكن للمركبات الكهربائية أن تعمل، ولن توجد الرقائق الإلكترونية، ولن تعمل أجهزة الكمبيوتر؛ حيث تتطلب تقنيات الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والمركبات الكهربائية موارد معدنية تزيد بمقدار أربعة إلى عشرة أضعاف عن نظيراتها القائمة على الوقود الأحفوري.
واستعرض رئيس معهد شركاء التنمية وشركة كلاريو الاستشارية، أمثلة من الدول التي تعاملت مع المجتمعات المتشككة وتوعيتها بأهمية قطاع التعدين والتمكن من إنشاء شراكات حيوية يستفيد منها جميع الأطراف.
ومن أمثلة ذلك تجربة التعامل مع مجتمع الماوري الأصليين في نيوزيلندا، ونجاح برنامج عمره 40 عامًا (تم إجراؤه بموجب دليل مستثمر اقتصاد الماوري) لشرح وإقناع المجتمعات المحلية بأهمية صناعة التعدين وفوائدها، وقد أدى ذلك إلى خلق فرص عمل وازدهار مجتمعي ومراكز صحية جديدة، ومدارس، وأنشطة لاحقة مثل التصنيع، باستخدام المعادن والفلزات المستخرجة، والتي تتم معالجتها بعد ذلك صناعياً. وكانت نتيجة ذلك تدفق استثمارات كبيرة استفاد منها أفراد المجتمع المحلي.
كما استعرض التقرير، تجربة دولة جنوب أفريقيا، حيث قادت الحكومة مبادرة تنمية متعددة القطاعات ومتعددة الشركاء بين Anglo American ومجلس البحث العلمي والصناعي CSIR، وشركة التعدين Exxaro، وشركة الأبحاث Zutari، ومنظمة الرؤية العالمية بجنوب أفريقيا، لزيادة التأثير الاجتماعي الإيجابي في مجتمعات التعدين داخل مناطق كثيرة مثل محافظة ليمبوبو، من خلال إطلاق مبادرات وشراكات شاملة وتعاونية وشاملة لعدة قطاعات لتحقيق الأثر الاجتماعي والاقتصادي، من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والاتفاق على أهداف مشتركة، وتحديد مسار واضح وشفاف في المستقبل. وقد تكرر هذا النهج في دول كثيرة مثل بيرو وشيلي والبرازيل.
وفي ختام التقرير أكد رئيس معهد شركاء التنمية وشركة كلاريو الاستشارية، بيتر براينت، أننا يجب أن ننظر للتعدين باعتباره "مانحًا" أكثر منه "آخذًا"، حيث يجب أن تتخذ خطوات أكبر تُظهر للمجتمعات والحكومات وذوي العلاقة كيف تفيد هذه الصناعة المجتمعات، بالإضافة إلى ضرورة العمل على بناء الثقة مع المجتمعات المحلية، بدلاً من اعتماد نهج "مقاس واحد يناسب الجميع"، مؤكداً على أنه ليس هناك وقت؛ فالساعة تدق وتغير المناخ يحتاج إلى وقفات جادة.
الجدير بالذكر أن النسخة الثانية من مؤتمر التعدين الدولي، ستعقد خلال الفترة من 10 إلى 12 يناير 2023، بمشاركة وزراء وممثلي حكومات عدد من الدول وقادة الاستثمار، ورؤساء كبرى شركات التعدين، وخبراء ومختصين تقنيين في هذا المجال.