لم يكن مستنكراً أن تغتسل صنعاء من رجس التمدد الإيراني إلى أرضها العربية، وتقسم أغلظ الأيمان على عروبتها؛ فهي عاصمة اليمن العربي وقلبها النابض وحضارتها الخالدة، وإن غفت صنعاء لحظة؛ لا بد وأن تستيقظ وتتوشح رداء العزة والشموخ العربي.
كيف لأمة عربية أن تغفو وعمق لها تحت سيطرة محتل؟! فانبرى ولي العهد السعودي بتعليمات وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك العروبي سلمان، وجمع كلمة أكبر دول العرب؛ معلناً عن تحالف عربي عسكري؛ ليعلن ملكنا انطلاق "عاصفة الحزم" كبداية للعمليات العسكرية العربية لإيقاظ اليمن؛ فلا عروبة بدون يمن، وفعلاً ها هي اليمن تستيقظ.. ماذا دها السفلة؟! أيظنون أنه يمكن أن تحكم اليمن العربي ميليشيا قَدِمت من كهوف صعدة وهي بلد الرجال والأبطال! وها هم مصنع الرجال ينفثون عن شمالهم الحوثي والإرهاب والخراب والدمار؛ فهنا اليمن وحضارة اليمن، هنا عاشت سبأ وهنا عاش الملوك العرب.
أزمة اليمن التي نُمني أنفسنا بأن تسدل ستارها معلنة عن نهاية فترة عصيبة على كل عروبي غارق في عروبته حتى الثمالة، انتماءً وعشقاً وولعاً، كانت بمثابة الريح التي عصفت بورقة التوت الأخيرة التي كانت تستر -ولو أوهمنا أنفسنا بذلك- خيانة أخ وجارٍ وابن عمّ ظنناه يوماً حليفاً لنا؛ إلا أنه خانَ وغدَر بجنوده، وكانت خيانته سبب مقتل عدد منهم؛ ليس ذلك فحسب؛ بل تجاوزوا ذلك إلى إهانة الشهداء من بلادهم، بالتحالف مع قتلتهم في إيران؛ بل ووصفهم بما يفتقدونه وتفتقده إيران وسياسيّها، والأفظع أن تحاول الصلح بين فصيلين فجّروا بجنود تحالف كنت عضواً فيه وعرض مبالغ مادية لإغراء طرف بالإصلاح مع الآخر.
لست أعني "قطر"؛ ففيها أبناء عمومتنا ورجال نفاخر بهم؛ بل ما أعنيه تحديداً "تنظيم الحمدين" الإرهابي وتوابعه، الذي تجاوز خيانة الإسلام والعروبة والخليج إلى خيانة أفراد شعب قطر وقبائله وإرثه التاريخي بالتحالف مع أعدائهم، ومحاولة شق المجتمع وتغيير دينه، وخلط جذوره وربطه بأعدائه؛ كل ذلك وأكثر يسعى إليه هذا التنظيم الخبيث الأخطر حتى من التنظيمات الإرهابية؛ لكونه داعمها وممولها الأول في المنطقة والعالم، إن لم يكن أيضاً المخطط والمدبر لأعمالها.
هناك دول ومدن عروبية منذ التاريخ، لا يليق بها أن تُحتل أو يسيطر عليها الأعداء؛ لذا فلا عجب أن نشعر بقلق لا يشابه قلق الأمين العام للأمم المتحدة، طوال ما أيادٍ قذرة تعبث بها؛ فهي لدى كل عربي تعتبر ملفات هامة لا تقل أهمية عن ملف صنعاء اليمن؛ كإعادة عواصم عربية لا يليق بها أن تتبع الفرس، وهي مَن كسرت شوكتهم مراراً كما حدثنا التاريخ، ولا شك أن دمشق وبيروت وعودتها لعمقها العربي؛ أولوية ليس لدينا فقط كأفراد شعوب؛ بل وحتى القيادات يشغلها ذلك وتتحرك بعدة ملفات بشكل متوازٍ، كما حصل بالاقتراب من بغداد لتتخلص من شر الفرس، وتغتسل سبعاً أحدها بالتراب.
الفرحة المرتسمة على وجوه إخواننا اليمنين، وبلادهم تتطهر لتعود يمناً سيتلذذ العرب قريباً جداً بعنبها ورمانها وموزها؛ فهي لا يحبها أحد كما يحبها العرب، ولن تقبل بسواهم، ولعل الفرس حفظوا الدرس جيداً واستذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا كسرى بعد كسرى).