لم تكن مسيرة الملك عبد العزيز آل سعود ـ طيّب الله ثراه ـ في توحيد المملكة العربية السعودية قصيرة ولا سهلة؛ بل كانت طويلة شاقة استغرقت أكثر من ربع قرن من الكفاح المستمر في ظل إمكانات مادية صعبة.
والواقع أن "الملك المؤسس" منذ بداية خطواته الأولى قد رافقه في مسيرته تاريخ حكم تمتد جذوره إلى ما يزيد على قرن ونصف القرن قام على منهج إسلامي واضح يهدف إلى توحيد البلاد في ظل دولة تنشر العقيدة الصافية وتحميها وتطبق الشريعة السمحة وتذود عنها.
والمتأمل في تاريخ "الملك عبدالعزيز" يرى أن عوامل نجاحه في توحيد البلاد تعود في مجملها إلى أمرين؛ مؤهلاته القيادية والأوضاع الداخلية والخارجية التي أحاطت بمسيرته وأحتاط لها.
وفي هذا الإطار ترصد "دارة الملك عبدالعزيز" من خلال كتاب "الدرعية نشأة وتطورًا في عهد الدولة السعودية الأولى" للدكتور عبدالله الصالح العثيمين، المؤهلات القيادية التي اتصف بها الملك عبدالعزيز، وهي إذ تتعدد يمكن استعراض 12 صفة وسمة منها.
"سمات شخصية"
كان "الملك عبدالعزيز" ذا شخصية مميزة، فهو طويل القامة مشرق المحيا له عينان ناطقتان بالذكاء والعزم، وله صوت رخيم مملوء بالثقة والقوة، وكان إلى جانب ذلك طيّب المعشر ينظر إلى محدثه ويدرسه دراسة سريعة نافذة، كما كان حاضر البديهة واضح التفكير قوي الإقناع لم يقتصر الاعتراف له بتلك الصفات على السكان المحليين، بل إن كثيرًا من الزعماء الأجانب شهدوا له بذلك.
عماد الصفات
كان الملك عبدالعزيز - رحمه الله- محافظًا على أداء الواجبات والسنن الدينية، ومناديًا بالإسلام عقيدة صافية وعملًا ملتزمًا، ولا شك أن التدين عامل قوة للفرد يكسبه صفات جليلة في طليعتها الثقة بالله والعزيمة على اقتحام الأخطار والصبر عند الشدائد؛ حيث كان لتديّن "المؤسس" أثر كبير في استقطاب أكثرية سكان المنطقة التي بدأ فيها تأسيس حكمه، ذلك أن سكان نجد يكنون مودة للدين.
كرم "بلا تكلف"
كان سخاء "الملك عبدالعزيز" جزلًا لا تكلف فيه، وكان من أحب الأمور إلى نفسه أن يستقبل الضيوف ويهب الهدايا، ولم يعهد عنه أنه فكر يومًا من الأيام في الادخار المالي أو الاتجار به.
شجاعة "المفكر"
كانت شجاعة الملك عبدالعزيز شجاعة المتزن المفكر لا شجاعة المتهور غير المبالي، كان لا يتأخر عن المعارك، وما كان في جسده من جراح أكبر شاهد على ذلك، لكنه كان يقدم إذا رأى الإقدام ضروريًا ويحجم إذا رأى الإحجام ضروريًا أيضًا.
قوة الإرادة
إن من ميزة مسيرة الملك عبدالعزيز أنه عرف كيف يتعامل مع النصر والهزيمة، فالنصر لم يدخل إلى نفسه الغرور ويصده عن جادة الصواب، والهزيمة لم تدخل إلى قلبه اليأس وتحطم معنوياته، وتضعف عزيمته.
المشورة
كان من أدلة رجاحة عقل "الملك المؤسس" أنه كان دائم المشورة يستشير ذوي الخبرة في المجالات المختلفة فرادًا ومجتمعين، ثم يتأمل آراءهم بفطنة لمّاحة، ويقرر ما يراه مناسبًا.
سرية الحركة والتمويه
سرية الحركة والتمويه على الخصوم، هذان الأمران من الأمور المتّبعة قديمًا وحديثًا داخل الجزيرة العربية وخارجها، وكانت مما اشتهر بهما الإمام سعود بن عبدالعزيز، لكن الملك عبدالعزيز بلغ في إتقانها درجة كبيرة.
وعيه بالتاريخ
كان الملك عبدالعزيز حريصًا كل الحرص على معرفة التاريخ والإفادة منه ومن عبره، ولقد ركز خصوصًا على دراسة تاريخ أمته ووطنه والتأمل فيه حتى وعي أسباب نجاح أسلافه من آل سعود وأسباب فشلهم.
حسن اختياره للرجال
كان "المؤسس" من أمهر القادة في اختيار الرجال الذين يعملون معه، فقد كان غالب الرجال الذين اختارهم في مستوى المسؤولية التي ألقيت على كواهلهم في ظل الأوضاع التي تولوا فيها تلك المسؤولية.
عمق معرفته بقومه
ومعرفة "الملك عبدالعزيز" بأحوال قومه حاضرة وبادية من الأمور التي أثارت انتباه الكثير من الناس كتّابًا ورواة؛ حيث كان يعرف زعاماتهم والأسس التي قامت عليها تلك الزعامات، وكان يعرف أسر الحاضرة كما يعرف فروع القبائل، وكل هذا أكسبه قدرة على التعامل مع كل فرد وفريق وفق ما يناسبه من تعامل.
إتقان فن الإعلام
كان الإعلام مهمًا جدًا في مرحلة توحيد البلاد، وخصوصًا في المجال الحربي، ولقد برهن "الملك عبدالعزيز" في عدة مواقف على أنه يجيد فن الإعلام إجادة فائقة.
التوفيق
وكان سكان البلاد حاضرة وبادية يرون أن حسن الحظ والتوفيق من الصفات التي لا بد من توافرها في القائد الذي يحاربون تحت لوائه، وكلما كان حظه أوفر وأكثر توفيقاُ كان اندفاعهم إلى الغزو معه أعظم، وهو ما كان متوفرًا لدى الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ.
يُذكر أن دارة الملك عبدالعزيز تعمل على إنتاج وتحقيق الكتب التي تخدم تاريخ المملكة العربية السعودية وجغرافيتها وآدابها وآثارها الفكرية والعمرانية وطباعتها وترجمتها وتسعى لإتاحة المعرفة وتسهيل الوصول إليها.