جوقة موسيقية وأنغام وإبهار.. شاهد تنوع الطيور في عسير "86 نوعاً وهجرات عالمية"

"ألوان زاهية تحتفل بالربيع وتنتظر خيوط الشمس على الأغصــان المبللة بقطرات الطل"
جوقة موسيقية وأنغام وإبهار.. شاهد تنوع الطيور في عسير "86 نوعاً وهجرات عالمية"
تم النشر في

"استوطن بعضها المكان منذ آلاف السنين، فصُنفت من نوادر الكائنات الحية عالمياً، تزورها أنواعٌ أخرى كثيرة من غرب الكرة الأرضية وشرقها في مواسم معينة من السنة، فتُحيل الغابات إلى جوقة موسيقية من الأنغام العذبة، وتنشر البهجة بجمالها ونشاطها".

هي الطيور النادرة والمهاجرة التي شكَّلت إثراءً حيوياً كبيراً في منطقة عسير تكاملت فيه مقومات الحياة الطبيعية المتنوعة، حيث تستوطن مرتفعات المنطقة -حسب كتاب "الطيور في السعودية" الصادر عام 2021 عن شركة "أرامكو"- 86 نوعاً من الطيور التي تبني أعشاشها في بعض هذه المناطق الحيوية بين المرتفعات، وذلك بسبب المناخ الجبلي الرطب والبارد نسبياً، الذي يُسهم في كثافة الغطاء النباتي مما يشكل موئلاً مناسباً لاستقطاب الطيور التي تستفيد من 2000 نوع من النباتات والأشجار سواءً في التعشيش أو الغذاء؛ كأشجار "الطلح" و"العرعر".

تُمثِّل الهجرات الموسمية للطيور عاملاً حاسماً في التنوع الكبير الذي تتميز به مرتفعات وسهول عسير بسبب قربها من القارة الإفريقية، حيث تعد المرتفعات الجنوبية الغربية الرطبة الموئل المناسب لتكاثر أنواع عديدة من الطيور الإفريقية الاستوائية في المملكة قبل العودة إلى أراضيها في إفريقيا عبر البحر الأحمر؛ لقضاء فصل الشتاء هناك.

وفي صباح ربيعي هادئ، كان أذان الفجر يصدح في جنبات مدينة أبها، مع استعداد فريق "واس" وبرفقته المهتم والموثّق المعروف في مجال الطيور أحمد نيازي؛ للانطلاق إلى غابات الحزام الجبلي للسروات لرصد وتوثيق عددٍ من تلك الطيور التي تبدأ نشاطها باكراً.

أولى المحطات بدأت بجزءٍ من غابات "السودة"، أنواع مختلفة من الطيور ذات الألوان الزاهية تحتفل ببهجة الربيع، تنتظر خيوط الشمس على أغصان العرعر المبتلة بقطرات الطل، ووسط هذه الأجواء الصاخبة من موسيقى الطبيعة، أشار "نيازي"؛ في حديثه لـ"واس"، إلى أن منطقة عسير من المناطق التي تستقطب أنواعاً كثيرة من الطيور المهاجرة؛ وذلك لتنوع الأشجار ودرجات الحرارة التي تتدرج بين البرودة والاعتدال تبعاً للتنوع الجغرافي الذي يبدأ من أعالي الجبال حتى الهضاب والسهول والسواحل، مضيفاً "أن بعض الطيور المهاجرة تفضل أنواعاً معينة من الأشجار مثل: أشجار الأكاسيا، والعرعر، وبعض النباتات القصيرة من زهور طبيعية، فالطيور تتنوع تبعاً للتنوع البيئي الذي تتميز به المنطقة".

وتتميز منطقة عسير -بحسب نيازي- عن معظم مناطق المملكة الأخرى، بالتنوع الكبير في الكائنات الحية، فقد تصل أنواع الطيور المعروفة والمشاهدة في بيئات المنطقة إلى 100 نوع، منها طيور مستوطنة مثل: "العقعق العسيري" النادر عالمياً الذي لا يوجد في أي مكان في العالم سوى منطقة في عسير، ويتميز بكثافة اللون الأسود في الريش، إضافة إلى كثافة في اللونين الأخضر والأرجواني في الذيل، كما أن جناحيه قصيران، كذلك يتميز بإصدار نداء خاص للتواصل يستخدمه باستمرار أثناء تنقله في أسراب للبحث عن الغذاء، وتضع أنثى "العقعق" ما بين 5 إلى 7 بيضات تقوم بحضانتها لمدة تراوح بين 16 و22 يوماً.

ومن أبرز الطيور المهاجرة التي تُشاهد عادة في بيئات عسير "عقاب البادية" القادم من روسيا، ويأتي طائر آخر من روسيا كذلك -حسب حديث نيازي- هو طائر "الصفاري" المتميز بجماله ومنقاره القوي الذي يساعده على أكل الفواكه الصغيرة، إضافة إلى الحشرات ويألف الأشجار الكبيرة وله تغريد جميل.

أما الطيور القادمة من القارة الإفريقية فهي كثيرة من أبرزها الطائر المسمى "خاطف الذباب الإفريقي الفردوسي"، وهو طائر معروف في جبال منطقة عسير، حيث يفضل العيش في الشجيرات الكثيفة، والغابات المتنوعة على التلال، والأودية العميقة كما يرتاد المدرجات الزراعية، كذلك "الوقواق الناسك"، وهو من الطيور النادرة التي يذكر كتاب "أطلس الطيور في الجزيرة العربية" أنه من الطيور التي تقصد الموائل الجافة، ويفضل العيش وسط أشجار (الأكاسيا) وسفوح الجبال، والأودية شديدة الانحدار ذات الأشجار والشجيرات المبعثرة، ويقتات على الخنافس والكائنات غير الفقارية.

ويظهر كذلك طائر "الرفراف رمادي الرأس" الذي يشاهد عادة قرب السواحل، والأماكن الزراعية والأودية التي توجد فيها برك ومستنقعات، وفي الربيع والصيف يأتي من أوروبا "الوروار الأوروبي"، وهو طائر يتميز بالألوان الجميلة التي تطغى عليها درجات اللون الأخضر، ويتميز بمنقاره الطويل الرفيع المضغوط من الجانبين، ويفضل اصطياد الحشرات، خاصة النحل، ويتكاثر عديد من طيور الوروار بشكل جماعي، أما أشهر الطيور المهاجرة من الهند إلى منطقة عسير، فهو طائر "وقواق ديدريك".

ويُعد عالم الطيور الذي وثّقت "واس" ملامح منه في مواقع متنوعة بمنطقة عسير منها (أبها - السودة - تنومة - بللسمر - بللحمر - محايل - رجال ألمع - سعيدة الصوالحة - البرك - الحريضة)؛ من العوالم البيئية المثيرة لاهتمام علماء البيئة وموثقيها؛ بسبب تعدُّد سلوك وطريقة حياتها وعلاقتها بما حولها من مكونات طبيعية، إضافة إلى تكوينها الجسدي الذي يمنحها قدرات هائلة على الطيران لمسافات بعيدة، فالريش يعمل على تجميع الهواء بين أجزائه المختلفة مما يساعد على تخفيف وزن الطائر وحفظ درجة حرارة جسمه في مختلف التقلبات الجوية، ويساعد الطيور على تحمُّل الأجواء شديدة البرودة عندما تحلق فوق مستوى سطح البحر إلى ارتفاعات عالية.

وتتراوح درجة حرارة أجسام الطيور ما بين (40 - 42) مما يساعدها على إتمام عمليات حرق الطعام في وقت قصير، وفي الوقت نفسه تزويدها بالطاقة التي تحفظ درجة حرارة الجسم ثابتة إذا انخفضت درجات حرارة الجو المحيط بها، كذلك تتميز الطيور بقوة إبصار تعادل ثمانية أضعاف قوة إبصار الإنسان وهو ما يمكنها من الرؤية وهي على ارتفاعات عالية فترصد طعامها، وتناور لتتحاشى الأعداء.

وبحسب ما أورده كتاب "طيور السعودية"؛ فإن هجرة الطيور من أكثر الجوانب إثارة للدهشة، حيث وجد الدارسون أن طيوراً تهاجر من شمال الأرض إلى أقصى جنوبها ثم تعود بعد أشهر إلى نفس أماكن الأعشاش التي كانت تسكنها دون أن تخطئها، وفي هذا الإطار يقول العلماء: "إن ثمة دلائل تشير إلى أن أنواعاً من الطيور المهاجرة ترى بصمات تغلغل المجال المغناطيسي للأرض على الوديان والأشجار والبراري ومظاهر الطبيعة الأخرى، بوساطة خلايا قرب شبكة العين في الطيور، بحيث تتيح لها رسم خريطة مغناطيسية متكاملة للأرض التي تحلق فوقها".

ومنذ القِدم، كان شائعاً لدى المهتمين بالطيور المهاجرة في السعودية ترقُب أيام محددة خلال فترة عبورها، ولديهم مصطلحات شعبية تصف الحالة منها: (الهيضة أو الديعة، أو الحدر، أو النزل).

كل هذه الأسماء تشير إلى مفهوم واحد، وهو كثافة وجود أنواع من الطيور المهاجرة في منطقة واسعة، حيث يذكر كتاب "الطيور في السعودية" الصادر عن "أرامكو"، أنه تم تسجيل 499 نوعاً في المملكة بشكل علمي دقيق منها 401 من الطيور المقيمة أو المهاجرة و11 نوعاً من الطيور النادرة تظهر بشكل منتظم في المملكة، في حين يزورها 87 نوعاً من الطيور الشاردة، كذلك يوجد 19 نوعاً متوطنة، أو شبه متوطنة في شبه الجزيرة العربية.

وتتركز هجرات الطيور إلى الأراضي السعودية في فصلَي الخريف والربيع، وذلك خلال أشهر أغسطس وسبتمبر وأكتوبر، فتعبر سماء المملكة طيورٌ قادمة من مواطنها في شمال الكرة الأرضية متجهة إلى جنوبها، ثم تعود مرة أخرى في رحلة ربيعية ابتداءً من شهر مارس حتى شهر مايو، فتعبر المملكة باتجاه معاكس عائدة إلى مواطنها الشمالية.

وخلال مرور الطيور المهاجرة الأراضي السعودية تتوقف لفترات زمنية مختلفة للتزوّد بالغذاء، مثل: طيور القمري، والدخل، والسمان، والرهو التي تأتي من القارة الإفريقية خلال فصلَي الربيع والصيف، ثم تعود إلى مواطنها في نهاية الصيف أو بداية الخريف.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org