تشرَّف الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، بإلقاء خطبة الجمعة في الجامع الكبير بنيودلهي، بدعوةٍ من إمام وخطيب الجامع، وترحيب من عموم التنوع الإسلامي الهندي، ليكون بذلك أول شخصيةٍ دينيةٍ من خارج الهند تعتلي هذا المنبر منذ نحو 400 عام.
وأشار في خطبة الجمعة إلى أن كتاب الله حفل بالحث على تزكية النفوس، فقال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}، وفي السُّنّة المطهرة يقول نبينا وسيدنا صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن ليُدرك بحُسْنِ خُلُقُهِ درجةَ الصائم القائم"، ويقول عليه الصلاة والسلام: "ما شيءٌ أثقلُ في الميزان يوم القيامة من خُلُق حسنٍ؛ فإن الله يُبغضُ الفاحش البذيء"، وتجلى النبيُّ صلى الله عليه وسلم في سلوكه بأعظم الأخلاق.
وأكد أن الحضارة الإسلامية حضارةٌ أخلاقية قدَّمت للإنسانية نماذجَ رائعةً في التكامل الإنساني بالصدق والأمانة، والوفاءِ بالعُهُود والوعود، والحِلْم والعفو والسماحة، والبِشْر وطلاقةِ الوجه وطيب الكلام، ومن هنا فإن المسلم بأخلاقه العالية وبنظرته الشاملة الواعية والحكيمة، مثالٌ في التعايش الأمثل مع الجميع.
وقال "العيسى": "إن الوعي الإسلامي على علم بأن لنصوص الشريعة الإسلامية مقاصدَ عظيمة جاءت لتحقيق مصالح العباد في دينهم ودنياهم، مقاصدَ تنظر من جميع الزوايا لا من زاوية واحدةٍ قاصرة، ومن هنا فإن ما يصلُح لبلد قد لا يصلُح لغيره، وقد أوضح فقهاءُ الإسلام أن الفتاوى والأحكام الشرعية قد تختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال ومن هنا أيضاً جاءت وثيقة مكة المكرمة، التي أمضاها مُفتو وعلماءُ الأمة الإسلامية وأقرتها الدول الإسلامية، بمنع تصدير الفتاوى خارجَ ظرفيتها المكانية وأحوالِها وأعرافِها الخاصة".
ونبّه من أن "المسلم الحق أخلاقٌ عالية تمشي على الأرض، تشهد بجلال وجمال الإسلام من خلال قيم أهل الإسلام، فالتحلي بتلك القيم يَخدم سُمعة الإسلام، فضلاً عن أن ذلك سلوك حقيقي للمسلم يتعينُ عليه الالتزامُ به في جميع الأحوال أما عكسُ ذلك فيُحسب مع الأسف على ديننا عند من لا يعرف حقيقة الإسلام، وذلك من خلال الحُكم عليه بفعل أولئك المنتسبين إليه، وهذا العمل المسيء يُعتبر في عداد الصد عن سبيل الله". وأكد في السياق ذاته أن المؤمن الحق يُبْرِزُ حقيقةَ دينِهِ من خلال قِيَمِهِ الرفيعة وأعمالهِ الجليلة، حيث وسطيةُ الإسلام واعتداله، ورفضُ أشكالِ التطرُّفِ والعُنف كافةً، أيّاً كانت أسبابُها وذرائِعُها.
وبعد انتهاء الخطبة، أمَّ "العيسى" جموعَ المصلين بحضور كبار العلماء والمشايخ من الهند، وخلْفهم آلاف المصلين ممن امتلأت بهم الباحات الخارجية للجامع.