مرض مُهمّش!
كانت شيماء شابة طبيعية، تعيش ثلاثيناتها بسلام، إلا أنه وفجأة بلا مقدمات، اختلفت مِشيتها، فقدماها لم تعودا تستجيبان لأوامر الدماغ، وبعد سنة ونصف من المراجعات، ومن السخرية الجارحة والتقليد والاستهزاء، تم اكتشاف السبب، مرض نادر يصيب الجهاز المناعي، يصوّر لجهاز المناعة أن الخلية العصبية عدو، فتبدأ بمهاجمته، حتى تُحدث فيه عطباً، يعود أحياناً كما كان، وأحياناً أخرى قد لا يعود، وما زال حتى الآن لم يُكتشف علاج حقيقي للمرض.
لم أعرف "شيماء" وسواها من مصابي "مرض التصلب المتعدد" أو "التصلب اللويحي"؛ بسبب اهتمامي وقراءاتي، لا.. فهذا ليس كافياً لتعلم عن المرض، فحتى الأطباء المشرفون على علاجه في أغلب مستشفياتنا همّشوه تماماً، وكأن مصابيه هامشيون، ولا عجب فحتى وزارة الصحة لم تلتفت له بعد، ولا سواها من الوزارات.
وكون ما يُدعى "التصلب اللويحي" مرضاً مزمناً نادراً، فلم أتوصل لأي إحصائية رسمية عن عدد المصابين، وإن كان برنامج "الثامنة" الذي كانت تقدمه قناة "MBC” تحدث في عام ٢٠٠٣م عن وجود ١٥ ألف مصاب، إلا أن الأستاذة فاطمة الزهراني نائبة رئيس جمعية "أرفى" للتصلب المتعدد، الجمعية المرخصة، تحدثت عن ٢٩ ألف مريض الآن بالمملكة، وما يزيد على مليونين وأربعمائة مصاب بالعالم، في ارتفاع إلى ما يقارب الضعف خلال ٥ أعوام فقط، وأظن أن هذه الأرقام مؤشر خطير لانتشار المرض في المملكة، بل إن طبيب الأعصاب الدكتور محمد الجمعة، صنّفه في محاضرة طبية كالمسبب الثاني للعجز بعد الحوادث المرورية لفئة الشباب، ورغم كل ذلك نلمس تجاهل الجهات الحكومية بالمملكة لانتشار المرض أو التوعية بكيفية التعامل مع مصابيه، وهو المصنف في أغلب دول أوروبا والولايات المتحدة أحد أمراض الإعاقة والعجز.
بالنسبة لي، لم يكن عام ٢٠٠٥م عاماً عادياً بالنسبة لي، أو لأسرتي، حين فقدت التحكم والسيطرة على يدي اليسرى، وتطور فقدان الإحساس بجانبي الأيسر لكل الجسم، حتى وجدت نفسي على كرسي متحرك، وتم تشخيص المرض أثناء دراستي في هاليفاكس بكندا، لأتعرف وأسرتي على المرض المزمن، والذي حتى الآن وبعد ١٣ سنة من التعايش معه، لم أجد كأغلب المصابين كمثلي، طبيباً يستوعب المرض وأعراضه، دون مبالغات تؤثر على نفسياتنا أو دون تقليل أو تسخيف لما نعانيه نحن المرضى.
أتذكر في مراجعتي الأولى لمستشفى حكومي بالرياض، أن قال لي طبيب الأعصاب المقيم "المرض مميت"، وتجاهل أن الموت حقيقة لكل الناس، لا أخفي تأثر نفسيتي بكلمته، وتغييري للمستشفى لآخر حكومي، وبعد إصرار الطبيبة السعودية على استخدام إبر مدى الحياة يتوقع فقط تخففها تطور المرض بنسبة ٣٠٪، وبسبب الأعراض الجانبية المتعبة، امتنعت وأبديت رأيي في أن الأفضل توفير قيمة الإبر المرتفعة جداً على الدولة، كان ردّها باختصار: "يبدو أنك طبيب، لا تحتاج مراجعتي إن لم تلتزم برأيي الطبي"، كان هذا آخر عهدي بأطباء الأعصاب في ٢٠١١م تقريباً، لأظل وحدي أبحث عن المرض وعلاجاته في انتظار التفاتة من بعض قطاعات الدولة لنا نحن مصابي التصلب اللويحي المتعدد، ليخرج مرضنا ونخرج نحن مرضاه من عباءة التهميش التي زادت من معاناتنا.