جاء إقرار قواعد الحد من تعارُض المصالح؛ سعيًا لتعزيز مبادئ النزاهة والشفافية، وحماية مهنة المحاماة وضبط السلوك المهني لمزاوليها، بعدما أعد هذا المشروع -بالتنسيق مع هيئة الرقابة ومكافحة الفساد والهيئة السعودية للمحامين- لمعالجة أي تعارُض محتمل في المصالح قد ينتج عن ممارسة من سبق له العمل في السلك القضائي ومن في حكمه لمهنة المحاماة.
وفي هذا الإطار، فقد بلور المتخصص في القانون والإدارة الدكتور زياد بن محمد بن مسفر القرار في حديثه مع "سبق" بقوله: إن هذا المشروع يسعى لحصر حالات تعارض المصالح المحتملة، ووضع معالجة متوازنة لها، وإعداد مشروع القواعد وفقًا لأفضل الممارسات الدولية بما يحقق أهداف المشروع والسياسة التنظيمية للقطاع عامة، مؤكدًا أن وزير العدل الدكتور وليد بن محمد الصمعاني أقر قواعد الحدّ من تعارض المصالح لمن سبق له العمل في السلك القضائي -ومن في حكمه- عند مزاولته مهنة المحاماة.
وأضاف الدكتور "ابن مسفر" أن هذه القواعد تهدف إلى تعزيز حماية نزاهة المؤسسات القضائية، وتسري أحكام القواعد التي وضعتها وزارة العدل بالتنسيق مع إدارة الرقابة ومكافحة الفساد ونقابة المحامين السعودية على من خدموا سابقًا في القضاء ومن في حكمهم، مبينًا أن المخالفات الواردة فيه هي مخالفات مهنية تسري على قواعد الضبط والإجراءات التأديبية الواردة في نظام المحاماة وقواعد تنفيذها، دون المساس بالمسؤوليات المدنية والجنائية التي قد تتعلق بهذه الأفعال المخالفة.
وأشار "ابن مسفر" إلى أن قواعد الحد من تضارب المصالح تنص على مسؤوليتهم -كل من سبق لهم العمل في القضاء ومزاولة مهنة المحاماة- لضمان عدم وجود حالات تضارب في المصالح أو انتهاك لأحكام هذه القواعد قبل قبول أي عمل قانوني، منوهًا بأن قواعد الحد من تضارب المصالح تنطبق على القضاة ومن في حكمهم (وهم المدعون العامون والقضاة والملازمون وأعضاء لجان الأمر)، ولا يجوز لأي ممن سبق ذكرهم الرجوع إلى خبراتهم السابقة، على سبيل المثال من خلال الإشارة إلى أنهم قضاة سابقون؛ إذ لا يمثل ذلك ضد أي شخص أو قبول توكيل رسمي ضد أي شخص سبق له الاستفسار عنه أو نظر في قضيته.
وتابع بقوله: فمن أجل تعزيز مبادئ النزاهة وحماية مهنة المحاماة وتنظيم سلوك المحامين؛ ومعالجة أي تضارب محتمل قد ينشأ عن ممارسات من سبق لهم العمل في القضاء أثناء مزاولة مهنة المحاماة؛ بهدف الحد من تضارب المصالح المحتمل، وتحقيق العدالة بين الأطراف المعنية.
وأكمل: بالإضافة إلى ما تقدم، فقد تضمن المشروع عددًا من الأحكام التي دعت الحاجة إلى استحداثها؛ سعيًا لتحقيق أهداف المشروع، ومن أهم هذه الأحكام منع من سبق له العمل في المحاكم واللجان ذات الاختصاص القضائي -لمدة سنتين من انتهاء علاقته بها- من الترافع وتقديم استشارة في الدعاوى والوقائع التي تنظرها المحكمة أو اللجنة التي عمل فيها آخر سنة من عمله، ومنع عضو النيابة العامة السابق -لمدة سنتين من انتهاء علاقته- من الترافع وتقديم استشارة في الوقائع التي يحقق فيها فرع النيابة الذي عمل فيه آخر سنة من عمله في النيابة، ومنع من سبق له العمل في السلك القضائي -لمدة سنتين- من قبول الوكالة ضد أو عن أحد الخصوم الذين سبق لهم الترافع أمامها أو سبق له التحقيق معهم آخر سنة من عمله في السلك القضائي.
وواصل يقول: ونَص المشروع على أنه لا يجوز لمن سبق له العمل في السلك القضائي ومن في حكمه الترافع بنفسه أو بواسطة شخص آخر في أي حالة حققت فيها الجهة التي عمل فيها آخر سنة من عمله في السلك دعوى أو تقديم استشارة في أي واقعة، تنظرها أو تحقق فيها الجهة التي يعمل فيها آخر سنة من عمله في السلك القضائي، أو تختص الجهة التي عمل فيها آخر سنة من عمله في السلك القضائي بالنظر في الاعتراض على أحكامها وقراراتها، وذلك لمدة سنتين من تاريخ انتهاء علاقته بالجهة.
وبيّن أن المنع الوارد هنا يشمل جميع أعمال المهنة، ومن ذلك الترافع والتمثيل وتقديم الاستشارات الشرعية والنظامية وإبداء الرأي وإعداد مستندات الدعوى، ويشمل الاشتراك في أي عمل من هذه الأعمال بعقد أو بغير عقد وذلك مع مراعاة أحكام الرد والتنحي في الأنظمة ذات الصلة، لا يعد في حكم ذلك من هذه القاعدة الدعوى والوقائع التي يكون من سبق له العمل في السلك القضائي ومن في حكمه طرفًا فيها أو وليًا أو وصيًا عن أحد أطراف الخصوم.
واستطرد القانوني "ابن مسفر": لا يجوز لمن سبق له العمل في السلك القضائي ومن في حكمه قبول الوكالة ضد أو عن أحد الخصوم الذين سبق لهم الترافع أمامها أو سبق له التحقيق معهم، في آخر سنة من عمله في السلك القضائي، وذلك لمدة سنتين من تاريخ انتهاء علاقته بالجهة، كذلك لا يجوز لمن سبق له العمل في السلك القضائي ومن في حكمه -عند إعلانه عن نفسه أو مشاركته في وسائل الإعلام- الإشارة إلى خبراته السابقة في الجهة.
ولفت إلى أن النظام حظر على المنشآت القانونية أيضًا أنه لا يجوز للمنشأة القانونية تقديم الأعمال المحظور تقديمها على من سبق له العمل في السلك القضائي في حال كونه شريكًا فيها أو عاملًا لديها أو متعاونًا معهًا، ومن هنا فقد قفل المنظم الباب نهائيًا وبأي شكل من الأشكال؛ وذلك لضمان التعارض وتضارب المصالح.
واختتم حديثه قائلًا: وفي النهاية يمكننا إجمال أهداف هذا المشروع في عدة نقاط؛ أهمها: تعزيز مبادئ النزاهة والشفافية من خلال وضع معايير واضحة تعالج حالات تعارض المصالح الحالية والمحتملة لممارسة مهنة المحاماة ممن سبق له العمل في السلك القضائي، وتعزيز الثقة في مهنة المحاماة والنظام القضائي بالمملكة لدى كافة أفراد المجتمع، وتحقيق العدالة بين أطراف الدعوى، والموازنة بين حماية مهنة المحاماة ونزاهتها وبين استقطاب الكفاءات للوظائف القضائية والحق في مزاولة المهنة.