أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة المسلمين بتقوى الله سبحانه، وعدم الاغترار بالأماني والآمال، فأنتم على وشك النقلة والارتحال .
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: أشرف ما في الإنسان قلبه، وهو سيد أعضائه وقائدها، وصلاح قالبه بصلاح قلبه، وفساده بفساده، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: (إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، أخرجه البخاري ومسلم.
وأضاف: القلب مصدر القوة، ومستقر الروح، ومستودع الإيمان، وهو موضع نظر الرب ومحل رضاه، وهو عدة لصاحبه إن سلم يوم الوفود على مولاه، قال النبي ﷺ: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) أخرجه مسلم.
وأكد أن تعاهد القلب ورعايته، وإصلاحه وتطهيره ووقايته: واجب محتم، وأمر عند الله معظم، وبه فوز العبد ونجاؤه، وسعده وهناءة، وهل النعيم إلا نعيم القلب وهل العذاب إلا عذاب القلب ألا وإن لذلك وسائل وأسبابًا، وطرقًا وأبوابًا، فأولها وأولاها: الإخلاص لله تعالى، بأن يعلق العبد قلبه بربه سبحانه، ويكون له قوله وعمله وتركه، ويبرأ مما سواه من المخلوقات.
وأوضح "بليلة" أن مما يصلح القلب فعل الطاعات، من فرائض وواجبات ومستحبات؛ فإنها تنور القلب وتجلوه، وتثبته وتقويه، وبضدها المعاصي والذنوب؛ فإنها تظلم القلب وتغويه، وتمرضه وترديه، قال المصطفى ﷺ: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه) أخرجه مسلم.
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن ذكر الله جلاء للقلب، وروح يحيا به، ونور يستضيء بقبسه، وهو له كالغذاء للجسد، والماء للزرع، وجاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: (يا رسول الله: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به) فقال عليه الصلاة والسلام: (لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله) أخرجه أحمد والترمذي وحسنه ومن غفل أو ألم بخطيئة فليلهج بالاستغفار؛ فإنه ممحاة للذنب، ومطهرة للقلب، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مئة مرة) أخرجه مسلم.
وقال: إذا أقبل العبد على القرآن تلاوة وعملا وتدبرا رق قلبه وراق، وحفه الخير والضياء والإشراق، كيف لا! وكتاب الله هو الهدى من الضلالة، والمبدد لظلم الجهالة، وهو الشفاء من الأسقام البدنية والقلبية، والعصمة في الأمور الدينية والدنيوية.
وأردف أن لله في أكوانه آيات ظاهرات، ومعجزات باهرات، تشهد بعظمة الخالق وجمال الخلق، وتدعو إلى التدبر والتبصر واليقين, ألم تروا إلى هذه الأرض التي منها تخلقون، وعليها تعيشون، وعلى ظهرها تدرجون، وفي بطنها تدفنون جعلها الله بساطًا ومهادًا وقرارًا، وقدر فيها الأرزاق والأقوات إنعامًا منه وإفضالاً واقتدارًا، ثم شاء سبحانه فزلزلها إعذارًا وإنذارًا و إن تزلزل الأرض مدعاة لتزلزل القلب ويقظته، ولينه بعد قسوته، تعظيمًا لله ووقارًا، وإخباتًا له وانكسارًا، وبعدًا عن مناهيه، وتلمسًا لمراضيه.
وتابع: لقد فجع الناس بما جرى في بعض ديار المسلمين من الزلازل المدمرة، والرجفات المروعة، ولله سبحانه الحمد على ما قدر وقضى، يبتلي بالسراء والضراء، ويختبر في المنع والعطاء، ويعد الصابرين بالرحمة والهدى والصلوات، وله الحكمة البالغة والرحمة السابغة في البلايا والمصيبات، وإنا لنرجو منه سبحانه أن يجعل أولئك المنكوبين في حزره وضمانه، وكنفه وإحسانه، وأن يشفي مرضاهم، ويداوي جرحاهم؛ ويرحم موتاهم.
واختتم "بليلة" الخطبة بالقول: لقد كانت هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية خير معوان في هذا المصاب الجلل، فمدت أيادي العون والعطاء، وغدت للمضرورين منه روض خير وسحاب ندى، فشكر الله لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده ما أمرا به ووجها، وأحسن إليهما، وأجزل لهما الأجر والثواب، ولا يفتكم أيها الموفقون أن تصيبوا من هذا الخير، برفد المصابين في ذاك الحدث ومساعدتهم من خلال الجهات الرسمية، والله في عون العبد ما كان العبد ما في عون أخيه.