أصبحت المنتجات التي تعتمد على فن " القط" العسيري من أهم عوامل الجذب في الأسواق الشعبية الحديثة والمتاحف الخاصة لزوار منطقة عسير في جميع المواسم وخصوصًا الصيف، حيث يفضل السياح الأدوات المصنوعة في منطقة عسير خصوصًا تلك المزخرفة بألوان "القط."
و"القَط" هو فن تزيين جدران المنازل في منطقة عسير منذ مئات السنين، ويعتمد على الزخارف الهندسية البديعة التي تستوحي أبعادها ودلالاتها من الثقافة المحيطة خصوصًا ألوان الطبيعة.
وعاد هذا الفن لواجهة الاهتمام العالمي، بعد أن اختير ضمن القائمة التمثيلية للتراث العالمي غير المادي، لدى منظمة "اليونسكو" في أواخر عام 2017.
وخلال العقد الأخير، ارتبط فن "القط" بالجانب السياحي في منطقة عسير بشكل كبير، حيث أُعيد لذاكرة المجتمع من خلال لوحات جدارية نفذتها سيدات اشتهرنّ بهذا الفن في بعض المواقع السياحية والفنادق، ثم تطور الاهتمام إلى تنظيم دورات فنية متخصصة في فن "القط"، شاركت فيها عشرات الفتيات المهتمات بالفنون، إذ كان الهدف منها تسويق منتجات فنية تعتمد على تشكيلات" القط"، وإيصالها إلى الأسواق العالمية.
وتشير "أمل اللوذ" إلى أنها قامت بتوظيف فن القط في أشكال متعددة منها: التذكارات التي تعكس تراث المنطقة بأسلوب حديث؛ للخروج من النمط التقليدي للتذكارات، فالسائح يستحق منا أن نقدم له تذكارًا يليق بمنطقة عسير.
وعُرفت "أمل" بصناعة الدمى التراثية الصغيرة والمظلات التي تقي من الشمس والأمطار والميداليات والحقائب النسائية والمفاتيح والأوشحة والشالات النسائية، وذلك من خلال توظيف فن القط العسيري في جميع هذه الأعمال.
من جهة أخرى، عمقت "عزيزة الغماز" تجاربها في هذا الفن من خلال الالتحاق بدورة لتعليم أساسيات فن القط العسيري، استطاعت بعدها توظيف "القط" في تزيين التحف المنزلية والمزهريات وأدوات السفرة المنزلية الخاصة بها، وعندما لاقت فكرتها رواجًا أسست متجرها الإلكتروني الخاص، الذي أصبح معروفًا ببيع المنتجات التراثية المُزينة بالقط.
أما تجربة "فاطمة فايع" في توظيف القط، فتختلف تمامًا، حيث إنها نشأت منذ صغرها على حب القط ومزاولته، فهو من المهارات التي تتميز بها عائلتها، ولكن تجربتها تتمثل في عمل متحف كامل يهتم بالزي العسيري التراثي الأصيل وفن القط العسيري، حيث تأسس المتحف بجهد عائلي فقط، إذ مثلوا المملكة في عددٍ من الفعاليات الخارجية.
وتعرض "فاطمة فايع" منتجاتها في متحف خاص تقوم فيه بعرض زخرفة الجداريات وبعض الأدوات المنزلية، إضافة إلى الزي التراثي، كما تعد من المدربات المعروفات لفن القط العسيري، حيث تذكر أنها دربت ما يقارب ٥٠٠ سيدة حتى الآن في دورات كثيرة، وشاركت بلوحة بطول ١٨ مترًا مع 20 فنانةً لمدة شهر وعشرين يومًا مع اليونسكو في مقر الأمم المتحدة، ومع معهد مسك للفنون بلوحة بطول ٨ أمتار في واشنطن.
وتتعامل الفنانة التي تسمى (القطاطة) مع ٣ أنواع من الألوان هي: الأحمر والأصفر والأزرق، وهي ألوان مستخلصة من مساحيق الأحجار الكلسية أو الطينات الملونة أو بعض النباتات والثمار، وهذه الألوان الطبيعية تقوم بتحضيرها بنفسها بإضافة المواد المثبتة والملمعة إليها، والنوع الثاني من الألوان المستخدمة هي ألوان جاهزة الصنع على شكل مساحيق (بودرة) كانت تُستورد من بعض الدول المجاورة، وبإضافة الماء والمواد المثبتة إليها يتم التلوين بها، أما النوع الثالث، فهي الألوان الزيتية الحديثة مع ملاحظة أن هذا النوع من الألوان الحديثة لم يستعمل إلا في وقت قريب.
ولفن "القط" 10 مفردات بصرية هي: "البنات"، "الأرياش"، "المحاريب"، "الركون"، "البلسنة"، "الأمشاط"، "التعذيق"، "سنكرولي"، "المثالث والمخامس"، "الكف"، "الشبكة".
ومع تولي الرجل مسؤولية بناء وصيانة المنزل من الخارج، فإن سيدة المنزل تتولى زخرفته من الداخل، إذ ترسم أشكالاً متناسقة على جدران الغرفة وفيها ألوان براقة وجذابة، حيث إن هذا الفن كان سببًا في تجمع النساء والمساعدة في رسم الزخارف، وكانت ربة البيت ترسم خطوطًا أولية للزخارف وتضع نقاطًا ملونة تمثل لون كل جزء، وتأتي قريباتها وصديقاتها ليساعدنها في رسم وتلوين الزخارف والأشكال.