كيف استطاعت المملكة تحقيق طفرة استثنائية في خفض البطالة؟

كلمات ولي العهد كشفت عن رؤية استراتيجية عمادها العامل البشري
كيف استطاعت المملكة تحقيق طفرة استثنائية في خفض البطالة؟

"ثروتنا الأغلى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت: شعبٌ طموحٌ، معظمُه من الشباب، هو فخر بلادنا وضمانُ مستقبلها بعون الله"؛ كلمات لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، كشفت عن رؤية استراتيجية للمملكة، عمادها العامل البشري.

وبفضل رؤية 2030، والتي وضعت العامل البشري نصب عينيها، بلغت البطالة أدنى مستوى لها على الإطلاق بتاريخ السعودية، لتستقرّ نسبيًّا عند 3.5% مقارنةً بـ3.4% في الربع الرابع من عام 2023م؛ بحسب مؤشر للهيئة العامة للإحصاء، رصد معدل البطالة الإجمالي للسعوديين وغير السعوديين.

فمقتربًا من مستهدف "رؤية 2030" التي كانت قد وضعت حدًّا له عند7%، سجلت البطالة بين السعوديين تراجعًا بنهاية الربع الأول من العام الحالي "2024" لتصل إلى 7.6% في الربع الأول من عام 2024م مقارنةً بـ7.8% في الربع الرابع من عام 2023م؛ بحسب نشرة سوق العمل الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء عن الربع الأول من عام 2024م، والتي أوضحت التغيرات في سوق العمل عن تلك الفترة، بعد إعادة تقدير نتائج الربع الرابع 2023 باستخدام بيانات تعداد السعودية 2022.

وبينما ارتفع معدل البطالة بشكل طفيف للسعوديات في الربع الأول من عام 2024م، ليبلغ 14.2% مقارنةً بـ13.9% في الربع السابق، انخفض معدل البطالة للسعوديين الذكور في الربع الأول من عام 2024م إلى 4.2% مقارنة بـ4.6% في الربع السابق.

وأظهرت مؤشرات القوى العاملة في الربع الأول من عام 2024م، ارتفاع معدَّل المشاركة في القوى العاملة لإجمالي السعوديين للربع الأول من عام 2024م، ليبلغ 51.4% مقارنةً بـ50.4% في الربع السابق، فيما انخفض معدل المشاركة في القوى العاملة الإجمالي للسعوديين وغير السعوديين، ليبلغ 66.0% مقارنة بالربع الرابع من عام 2023م "67.0%".

وأفادت نتائج نشرة سوق العمل للربع الأول من عام 2024م بارتفاع معدل المشاركة في القوى العاملة للسعوديات؛ حيث بلغ 35.8% مقارنةً بـ35.0% في الربع السابق، وارتفع معدل المشاركة في القوى العاملة للسعوديين الذكور في الربع الأول من عام 2024م؛ حيث بلغ "66.4%" مقارنةً بـ"65.4%" في الربع السابق.

مؤشرات اعتمدت أشارت الهيئة العامة للإحصاء في الوصول إليها، عبر جمع المعلومات من خلال عينة ممثِّلة لسكان مختلف المناطق الإدارية في المملكة من الأسر، واستيفاء استمارة إلكترونية تحتوي على عدد من الأسئلة.

* كيف حقّقت المملكة تلك النتائج الاستثنائية؟

بعد تصريح سابق لولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، والذي كشف فيه عن مستهدف البطالة بين السعوديين بين 4 و7%، مؤكدًا أن الحكومة ستحقق ذلك الهدف قبل الموعد المحدد، سخرت المملكة جهودها لبلوغ هذا الهدف قبل الموعد المحدّد له، وهو ما تحقق بنسبة كبيرة؛ وفقًا للنتائج الأخيرة.

تلك التطورات الإيجابية ربطها مختصون بالاستراتيجيات التصحيحية لسوق العمل ودعم منشآت القطاع الخاص، وبرامج التوطين.

وكان آخر قرارات التوطين في المملكة دخول المرحلة الثانية من قرار توطين مهن الخدمات الاستشارية حيز التنفيذ بنسبة 40%، اعتبارًا من 25 مارس/ آذار الماضي، ضمن خطة وزارة الموارد البشرية، الهادفة إلى توفير مزيد من فرص العمل المحفزة والمنتجة للمواطنين والمواطنات في مختلف مناطق المملكة.

وبين الحين والآخر، تُصدر وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية قرارات توطين تستهدف عددًا من الوظائف في سوق العمل، في محاولة لتقليل معدل البطالة بين المواطنين، وللدفع بالفئات المؤهلة، للمساهمة في تحقيق مستهدفات رؤية 2030 عبر السواعد السعودية.

إلا أن إلحاق المواطنين المؤهلين لسوق العمل، ما كان ليحدث إلا عبر تعزيز تنافسي عالميًّا، عبر برنامج تنمية القدرات البشرية، والذي عمل على بناء استراتيجية وطنية طموحة لتنمية قدرات المواطن، بدءًا من مراحل الطفولة المبكرة، مرورًا بالتعليم العام، والتعليم الجامعي والتدريب التقني والمهني، ووصولًا إلى التدريب والتعلّم مدى الحياة، بمشاركة الجهات الحكومية والقطاع الخاص والقطاع غير الربحي.

فمنذ إطلاقه في عام 2021 عمل برنامج تنمية القدرات البشرية على ضمان جاهزية المواطنين في جميع مراحل الحياة من خلال الاستثمار في المواهب والكفاءات الوطنية، وضمان المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، وتعزيز ودعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، وتطوير وإعادة تأهيل المهارات، إضافةً إلى ترسيخ القيم وتعزيزها، للوصول إلى اقتصاد مزدهر تقوده قدرات وطنية ذات كفاءة عالية.

ذلك البرنامج تضافر مع المحفزات وبرامج الدعم التي تقدمها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لمنشآت القطاع الخاص؛ بهدف مساعدة الشركات على توظيف المواطنين؛ مما أثمر عن خفض كبير بمعدل البطالة بين السعوديين.

ومن بين الحوافز التي تقدمها "الموارد البشرية": التدريب والتأهيل، ودعم عملية الاستقطاب للكوادر البشرية، إضافة إلى برامج متخصصة يقدمها صندوق تنمية الموارد البشرية "هدف".

عوامل تضافرت مع العديد من السياسات والقرارات؛ بينها تنويع الاقتصاد، وعدم الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل، فبرزت السياحة كأحد القطاعات التي ساهمت في خفض معدل البطالة إلى مستويات غير مسبوقة.

*السياحة.. تسهم في خفض البطالة

وحول مساهمة قطاع السياحة في خلق الوظائف، قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في تصريحات سابقة: إن قطاع السياحة سيخلق 3 ملايين وظيفة حتى 2030.

وفي محاولة لدفع هذا القطاع قدمًا، أتاحت وزارة السياحة عددًا من الإجراءات للتسهيل على زوّار المملكة من كافة دول العالم، آخرها استحداث التأشيرة الإلكترونية لحاملي تذاكر كأس العالم للرياضات الإلكترونية لتمكنهم من زيارة وجهات المملكة المتنوعة في صيف السعودية.

إجراءات ساهمت في زيادة عدد السياح بالسعودية بنسبة 10% في الربع الأول من 2024، فيما زاد إنفاقهم 17%، بحسب وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب، الذي أكد أن المملكة حققت أهداف الاستراتيجية الوطنية للسياحة بشكل مبكر.

وبحسب الخطيب: فإن السياحة الداخلية في السعودية وصلت إلى 77 مليون زيارة في 2023؛ مما انعكس على معدل البطالة في المملكة.

التطور في قطاع السياحة تزامن مع نجاح المملكة في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى أراضيها؛ فصافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية سجل 13 مليار ريال خلال الربع الرابع من 2023 مقابل 11 مليار ريال، في الربع الثالث من نفس العام بارتفاع 16%.

وكان رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية بلغ في نهاية عام 2022، 762 مليار ريال، فيما بلغ إجمالي التدفقات الداخلة للاستثمار الأجنبي المباشر 123 مليار ريال.

ذلك التدفق في الاستثمارات انعكس على نموّ القطاع الخاص، وازدياد فرص العمل فيه؛ مما ساهم في توفير فرص العمل وخفض معدلات البطالة.

*هل من مجالات أخرى؟

التحول الرقمي والتكنولوجي كان أحد العوامل البارزة التي ساهمت في ظهور فرص جديدة بسوق العمل؛ فتعزيز الابتكار واعتماد التكنولوجيا الحديثة في مختلف القطاعات بالمملكة، انعكس بدوره على زيادة الوظائف وتقليل حجم البطالة في المملكة.

وسعت المملكة إلى خلق بيئة اقتصادية جاذبة، فوضعت استراتيجيتها الوطنية للصناعة نصب أعينها القطاعات كثيفة العمالة، والتي شملت 12 قطاعًا استراتيجيًّا؛ بينها صناعة السيارات.

وتركز الاستراتيجية الوطنية للصناعة على 12 قطاعًا فرعيًّا لتنويع الاقتصاد الصناعي في المملكة، فيما حددت أكثر من 800 فرصة استثمارية بقيمة تريليون ريال سعودي، لتشكل فصلًا جديدًا من النموّ المستدام للقطاع، بما يحقق عوائد اقتصادية طموحة للمملكة بحلول عام 2030، تشمل: مضاعفة الناتج المحلي الصناعي بنحو ثلاث مرات، ومضاعفة قيمة الصادرات الصناعية لتصل إلى 557 مليار ريال سعودي. كما تعمل الاستراتيجية الوطنية للصناعة على وصول مجموع قيمة الاستثمارات الإضافية في القطاع إلى 1.3 تريليون ريال، بزيادة صادرات المنتجات التقنية المتقدمة بنحو 6 أضعاف، إضافة إلى استحداث عشرات الآلاف من الوظائف النوعية عالية القيمة.

*حوافز حكومية

بحسب تقرير صادر عن المرصد الوطني للعمل التابع لصندوق الموارد البشرية: فإن الحوافز المقدمة للقطاع الخاص، والتي تتمثل في: المادية والمكافآت، والتدريب والتطوير المستمر، إضافة إلى برامج الدعم والتوطين، ساهمت في خفض معدل البطالة بين السعوديين.

ويقول التقرير: إنه بفضل تلك المحفزات الحكومية، تمكن القطاع الخاص من إضافة نحو مليون وظيفة جديدة خلال عام 2023، ليتجاوز العدد 11 مليونًا مقارنة بـ9.9 ملايين موظف في عام 2022.

وبحسب التقرير الصادر قبل أشهر: فإن إجمالي المواطنين العاملين في القطاع الخاص، بين السنة و3 سنوات عمل، بلغ أكثر من 611 ألف موظف، فيما بلغ عدد المواطنين في الشركات الخاصة بين 3 و5 سنوات ما يزيد على 377 ألف عامل.

ويقول مختصّون: إن انخفاض معدل البطالة يؤكّد أن الاستراتيجيات السعودية، والتي أثمرت عن دخول عدد كبير من الشركات المحلية والدولية إلى سوق العمل، إضافةً إلى إطلاق عدد من المشاريع الحكومية الكبرى، أسهمت في رفع معدلات التوظيف؛ مما يؤكد أن المملكة تسير على خطى ثابتة نحو تحقيق أهداف رؤية 2030 قبل موعدها.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org