السياسات التربوية القائمة على مبدأ التعليم المجتمعي.. كيف تكون؟ ولماذا؟

السياسات التربوية القائمة على مبدأ التعليم المجتمعي.. كيف تكون؟ ولماذا؟
تم النشر في

في نهاية عام دراسيّ (استثنائي) حافل بالعديد من التحديات، والكثير من الدهشة، والانتظار والصبر، يأتي لقاء ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان في برنامج (الليوان)، المتضمن الحديث عن الإنجازات التي تم تحقيقها على مدى خمس سنوات من إطلاق (رؤية المملكة العربية السعودية 2030)، كذلك ما سوف يتم إنجازه في المستقبل بناءً على هذه المنجزات وهذه التطورات الإيجابية التي عمّت مجتمعنا على جميع مستوياته.

وكأي مهتمّ بالتعليم أو بنظم التعليم على وجه الخصوص، شدّني تلك التصريحات المركزة من سموه، عن المتطلبات الملحّة والأهداف المأمولة في الفترة القادمة، حتى يتطور التعليم بشكلٍ فعليّ وجاد، وإن كان هو يسير على هذا النهج بلا مبالغة، من وزارة التعليم وما تقدمه من جهود حثيثة لإنجاح ما تتضمنه سياسة التعليم في المملكة، أو ما تتضمنه وثيقة رؤية الملكة العربية السعودية 2030.

إن حديث سموه عن ما يسمى بالتعليم المجتمعيّ والذي يرتبط بالمجتمع أولًا، بحيث يرسم سياساته المجتمع، وينفذ مخططتها، ويقدم العون في التعديلات المطلوبة له، ويقيّم مخرجات ذلك المجتمع أيضًا.

إن أنظمة التعليم الأكثر حداثة في الدول المتقدمة، قائمة في الوقت الحالي على ما يُسمى بمهارات التعليم، أو ما يُدعى بمهارات (القرن الواحد والعشرين)، حيث أن المعرفة والعلم تُقدم بشكل أساسي وتأسيسي فقط، ولكن التركيز بنسبة أكبر على المهارات، بحيث أن صيغة التعليم تتركز بالتساؤلات التالية بغالبيتها: كيف يتعلم الطالب؟ متى يتعلمه؟ ولماذا يتعلمه؟ وما الطريقة الأنسب لتنفيذ ما تعلمه؟ وكل ذلك يأتي بعد أن يتقن مضمون التعلُّم ذاته.

بالمقابل فإنه يستخدم وبكثرة في نظم التعليم مصطلح (تعليم القرن الحادي والعشرين)، بينما يؤكد الكثير على أن تسميتها بهذا الاسم يؤكد أنها ليست جديدة، بل أن تسميتها بهذا الاسم توجه الجميع إلى أهميتها، وتأكيد تطبيقها على أرض الواقع، وقد أضاف العديد من الباحثين عددًا من المهارات التي يفترض أن يملكها طالب المستقبل، ومنها مهارات التواصل الحضاري مع الآخرين، وامتلاكهم القدرة على التعلُم الذاتي، ورفع مستوى الوعي بالبحث العلمي، والإنتاج المعرفي للطلبة، ومشاركة العمل مع الفريق، والتمكن من مهارات اللغة العربية وإتقانه لأكثر من لغة، مع قدرته على المحافظة على الهوية الوطنية والدينية، بل أنه هناك عدد من المهارات التي ينبغي أن يطبقها الطلاب في تعليمهم، من أجل بناء مجتمع المعرفة، وخاصةً في ضوء بعض المعوقات التي تواجهها الأنظمة التربوية، ومن أهم هذه المهارات: تنمية المهارات العليا للتفكير، وإدارة المهارات الحياتية، وإدارة قدرات الطلبة، ودعم الاقتصاد المعرفي، وإدارة تكنولوجيا التعليم، وإدارة فن التعليم ومنظومة التقويم.

إن نظام التعليم في المملكة العربية السعودية نظام ناهض، سواءً على مستوى التعليم العام أو مؤسسات التعليم العالي بما فيها الجامعي، إلا أننا لا نزال نحتاج إلى عدد من الممارسات والسياسات، التي تُنمي الجانب المهاري لدى المسؤول عن التعليم كقيادي أو معلم أو عضو هيئة تدريس، وبالمقابل لدى الطلبة على حدٍ سواء، وهذا لا يأتي إلا من خلال ذلك التكامل بين التهيئة لمن يقدم العلم والمعرفة للمتلقي، وإكساب الطلبة ممارسات مختلفة في جميع عناصر الدراسة بكل مراحلها، يشمل ذلك الأنشطة التدريسية والخطط التعليمية والمصادر المعرفية الأولية والثانوية، والأهم من ذلك هو المنهج وتوصيفات المقررات المختلفة ومدى الالتزام بها.

وتأكيدًا لذلك فإنه من المفترض أن تُبنى سياسات تربوية وتعليمية متخصصة بالتعليم المجتمعي، الذي يركز على المهارات الخاصة بطلبة التعليم العام والمؤسسات التابعة للتعليم العالي بما فيها الجامعي، هذه الخطط والسياسات تدعم وبلا شك أهداف الرؤية بحيث تساهم في إنجاح أهدافها بشكل شامل، وليس فيما يخص التعليم فقط، حيث أن التعليم المجتمعي القائم على الأنشطة التعليمية التي تستهدف تحسين جودة التعليم، بحيث تُنفذ من خلال شراكة فاعلة وإيجابية من المجتمع نفسه، ومؤسساته المتنوعة بحيث يتم ضمان استمرارية هذه الأنشطة ودعم الجودة الخاص بالتعليم، يأتي ذلك من خلال تظافر الجهود الأهلية والحكومية لتقديم ما تستطيع من خلاله من إسهامات مادية أو غيرها لإحداث التغيير والتطوير الفعّال في التعليم، المبني على تطوير المهارات، التي سوف يستفيد منه المجتمع بعد ذلك.

إن من خصائص التعليم المجتمعي الفعال أنه يعتمد في تخطيطه وتنفيذه ومتابعته على المجتمع، ويلبي الاحتياجات الفعلية والأساسية فيه، وهذا لا يأتي إلا من خلال وجود علاقة رسمية بين ممثلي المجتمع والجهات الرسمية المسئولة، ومتابعة مستمرة من أولياء الأمور لمستوى وجودة التعليم، من خلال إمكانيات تقنية ومهارات متعددة جيدة، والعمل على التحرر من الإجراءات والتعقيدات الروتينية في التعليم، ومقاومة ومحاسبة المتسبب في إيجاد عدد من التسرب الطلابي في التعليم بأحد مراحله، أو جميعها.

ومفهوم التعليم المجتمعي يؤكد على أن التعليم اليوم قد تغير عن الماضي؛ حيث ركز قديماً على المحتوى لكل مادة ثم الاختبار فيها، إلا أن التعليم اليوم بدأ يتعمق بشكل مختلف إذ يركز على المجال الرقمي والإبداعي والابتكاري.

ختامًا.. إن تصريحات سموه لمستقبل التعليم وواقعه، أمر مهم جدًا ومن الضروري أن نقدم عدد من المبادرات التربوية والتعليمية، وخطط للسياسات نحاول من خلالها تثبيت هذه المفاهيم في تعليمنا المستقبلي.

وكل عام وأنتم بخير.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org