مواقف روسيا تجاه الإسلام تعزز العلاقات بين موسكو والرياض

"بوتين": روسيا هي بلد "إسلامي"
مواقف روسيا تجاه الإسلام تعزز العلاقات بين موسكو والرياض
تم النشر في
سبق- الدمام: تدرك المملكة العربية السعودية أن العقلية الروسية تحترم الإسلام كديانة أنزلت من فوق سبع سماوات، يجب على الجميع تقديرها وعدم الانتقاص منها، كما تدرك المملكة أن روسيا الاتحادية نجحت في تعزيز المناخ الملائم للتعايش السلمي بين عدد كبير من الشعوب ذات الثقافات المتباينة، والديانات المختلفة، والطبقات المتنوعة، ومن بينهم الجالية المسلمة في البلاد، التي تنعم اليوم بحرية تامة في ممارسة شعائرها الدينية، حيث واستطاعت روسيا أن تجعل من هذا الاندماج تعايشاً مفعماً بالحرية والأمان، حتى غدت مرتعا للحوار الحضاري، في الوقت الذي ترفع فيه شعار الدعوة إلى مزيد من التعايش البناء بين الأديان والثقافات، وهو الأمر الذي يفسر سر العلاقات المتنامية بين السعودية من ناحية، وروسيا من ناجية أخرى على مدى 80 عاما مضت.
 
الثقافة الروسية
وترى السعودية أيضاً أن الثقافة الروسية خالية من أي عقد أو عنصرية، وأن هذه الثقافة رسخت في عقول أصحابها أهمية الانفتاح على جميع دول العالم، مع الالتزام التام بالأخلاق العامة في تقدير أهل الديانات وعدم المساس بعقائدهم، مهما كانت الظروف، وعلى رأس القائمة الديانة الإسلامية والمسلمون.
 
ولهذا لم يكن غريباً على روسيا موقفها الرافض والمنتقد للرسوم المسيئة للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، التي خرجت من أكثر من دولة حول العالم، تحت مزاعم حرية الرأي والتعبير، بيد أن الروس رأوا أن في تلك الرسوم وقاحة متعمدة، تجاه ديانة سماوية، يؤمن بها أكثر من 1.5 مليار شخص حول العام.
 
وأشار الموقف الروسي تجاه هذه الرسوم إلى عدة مفاهيم، أولها الثقافة المتزنة البعيدة عن العنصرية، وثانيها الاتزان السياسي في موازنة الأمور بحكمة، والاحتكام للعقل والمنطق، إلى جانب الثقل الاجتماعي للدولة الروسية، التي رأت أن تبتعد عن خطر الانجراف وراء ترهات وتجاوزات قد تجلب لها ردة فعل سيئة. إذ كانت إدانة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لهذه الرسوم، إلى جانب وزير خارجيته ومجلس النواب الروسي تنم عن إدراك القيادة واحترامها للثقافات المختلفة وتقديرها لحرمات الأديان.
 
ويزول أي اندهاش تجاه موقف روسيا من الإسلام والمسلمين، إذا عرفنا أن الإسلام هو الديانة الثانية في روسيا بعد المسيحية، نظراً لوجود ما يقرب من 20 مليون مسلم، يعيشون ويعملون على الأرض الروسية.
 
دعم المملكة
ولا يمنع انغماس غالبية الشعب الروسي في الشيوعية بما لها من مبادئ وأسس اقتصادية واجتماعية بعيدة عن الإسلام، من تقدير الأديان السماوية، واحترام الشعوب التي تقوم على أسس ومبادئ دينية، ومن هنا كان الاتحاد السوفيتي أول دولة غير عربية اعترفت بالمملكة العربية السعودية، مهبط الوحي، وحاضنة الحرمين الشريفين، ورمز الإسلام في العالم، ليس هذا فحسب، بل وأقامت معها علاقات دبلوماسية في فبراير من عام 1926، وتعززت العلاقات أكثر في 17 سبتمبر من عام 1990، عندما صدر بيان مشترك بين البلدين، يعلن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية على أسس ومبادئ ثابتة.
 
منظمة المؤتمر الإسلامي
وفي المقابل، كانت المملكة العربية السعودية من بين البلدان الأوائل التي أيدت مبادرة روسيا بشأن الانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي بصفة مراقب ومارست دورا مهما في اتخاذ القرار الإيجابي بهذا الشأن، وبفضل ذلك شاركت روسيا لأول مرة بصفة مراقب في القمة الاستثنائية لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقدة في أخيراً في مكة المكرمة. كما أن هناك آلاف الروس الذين يؤمون المملكة في كل عام لأداء فريضة الحج، في الوقت الذي منحت فيه روسيا العرب أرضا باهظة الثمن مجانا في قلب عاصمتها لبناء "البيت العربي الروسي".
 
بوتين يحترم المسلمين
وعندما أوصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين روسيا في عام 2003 إلى منظمة التعاون الإسلامي (منظمة المؤتمر الإسلامي آنذاك)، لم يتلقَّ أي دعم يذكر من قِبل مسلمي روسيا، ولا أية مساندة ضد المقاومة الشديدة التي لقيها حينها الرئيس من حاشيته والبطانة التي تدور حوله، سواء من الجهات الأمنية واللاعبين الرئيسيين في سوق الموارد الطبيعية أو من الاقتصاديين الليبراليين.
 
منذ ذلك الوقت، صدرت تصريحات متعددة حول التقارب مع العالم الإسلامي واحترام المسلمين داخل البلاد، ثم أعقبها بعض الأحداث البارزة، أهمها انضمام روسيا بصفة مراقب إلى منظمة اليوسسكو (وهي منظمة مماثلة لليونسكو ولكن ضمن منظمة التعاون الإسلامي)، ثم جاءت زيارة قادة حماس لموسكو، وإرسال كتيبة عسكرية من الشيشان إلى لبنان بعد حرب عام 2006، ثم الزيارة التاريخية للرئيس الروسي إلى المملكة العربية السعودية وغيرها.
 
بلد إسلامي
وعبر تاريخ الدولة الروسية، كله يعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول سياسي من المستوى الرفيع يعترف رسمياً بأن روسيا هي بلد "إسلامي" فضلا عن أبعادها الأخرى. مع العلم أنه لم يخط هذه الخطوة قبله لا القياصرة ولا الأباطرة، ولا أي أمين عام للحزب الشيوعي، بل ذهب بوتين أبعد من ذلك عندما قال إن المسلمين في روسيا لديهم كل الحق للشعور بأنهم جزء من الأمة الإسلامية العالمية، وإن روسيا كانت -ولا تزال- حليفاً جيوسياسياً للإسلام.
 
 
مساجد متنقلة
وهنا يمكن القول إن الإسلام في روسيا يحظى بدعم كبير، خاصة في المناسبات الدينية، مثل شهر رمضان، إذ وافقت الحكومة الروسية على للمسلمين في البلاد على أداء الصلاة في مساجد متنقلة على شكل شاحنات تتوفر فيها مستلزمات الصلاة، ويحتوي المسجد المتنقل على مساحتين منفصلتين، إحداهما للوضوء والثانية للصلاة، ويسع لسبعة أشخاص. وأوضحت الجهات المشرفة على هذه المساجد أن خدمة المساجد المتنقلة مجانية يستطيع المستخدم الحصول عليها بطلب يقوم به عبر الهاتف أو شبكة الإنترنت.
 
مواجهة التحديات
وقبل أيام قليلة، وتحديداً يوم الجمعة الماضي، أكدت منظمة التعاون الإسلامي ضرورة النهوض بالتعاون بين العالم الإسلامي وروسيا، وجددت المنظمة خلال اجتماع مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا والعالم الإسلامي" الذي عقد في موسكو قبل أيام بحضور علماء الدين والسياسيين من روسيا، والبلدان الإسلامية، التأكيد على أن "قوة العلاقات بين المنظمة وروسيا، أمر ضروري ليس لمواجهة التحديات المشتركة فحسب، بل لبعث الأمل وإيجاد فرص واعدة للطرفين". واستعرض الاجتماع العلاقات التاريخية التي تربط روسيا والعالم الإسلامي، مبرزاً أهم مجالات التعاون بين الجانبين.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org