تعتبر جدة التاريخية أحد أبرز المعالم القديمة بمحافظة جدة، والتي تجذب الزوار من شتى أنحاء العالم.
وكان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز قد أعلن في العام 2021 عن إطلاق مشروع إعادة إحياء جدة التاريخية، والذي يهدف إلى تطوير المجال المعيشي في المنطقة لتكون مركزًا جاذبًا للأعمال وللمشروعات الثقافية، ومقصدًا رئيسًا لرواد الأعمال، وفق مسارات متعددة تشمل البنية التحتية والخدمية، وتطوير المجال الطبيعي والبيئي، وتحسين جودة الحياة،
وفي شهر مارس الماضي أعلنت وزارة الثقافة، ممثلة ببرنامج جدة التاريخية، عن اكتمال الأعمال في مشروع تدعيم وإنقاذ (56) مبنى من المباني الآيلة للسقوط بجدة التاريخية، التي تحمل عناصر معمارية وتراثية ثرية، بدعم يبلغ (50) مليون ريال من نفقة سموه الخاصة، مساهمةً في مساندة المشروعات التي من شأنها المحافظة على المكتسبات التاريخية والحضارية للمملكة.
تضم جدة التاريخية خمسة أسواق تاريخية، تقف شاهدة منذ القِدم على الأهمية التاريخية للمدينة، كميناء تجاري هام على البحر الأحمر، يربط الحركة التجارية بين قارتي آسيا وإفريقيا عبر المحيط الهندي.
وتشهد الأسواق في جدة التاريخية حركة نشطة يومياً، إذ يقصدها أعداد كبيرة من الزوار، ليس فقط لمجرد التسوق، بل لخوض تجربة الانغماس في أجوائها التاريخية الفريدة، إذ يعد كل منها متحفاً مفتوحاً يروي قصص المدينة وأهلها.
ويعود تاريخ سوق العلوي إلى عام 1716مـ، وهو أكبر أسواق جدة التاريخية وأقدمها وأكثرها حيوية، وكان بمثابة نقطة توقف رئيسية للحجاج المتجهين إلى مكة.
ويمكن لرواد السوق العثور على كل شيء بدءًا من البخور والملابس التقليدية وحتى التوابل والأعشاب والعلاجات التقليدية.
ازدهر سوق الندى كمركز للتجارة البحرية. وقد احتفى الأدباء بسحره وأهميته، واليوم، تمتلئ ممراته الحيوية بالزوار الذين يقصدون المحلات التجارية التي تقدم كل شيء بدءًا من مطاعم المأكولات البحرية وحتى الملابس الجاهزة وغيرها من المنتجات، وهو ما يعكس مكانة السوق باعتباره رمزًا نابضًا بالحياة للتراث الثقافي والتجاري الغني لجدة التاريخية.
تأسس سوق الخاسكية عام 1813مـ، وهو مركز تجاري مزدهر ونابض بالحياة في جدة التاريخية، يتوافد عليه السكان المحليون والزوار على حد سواء، بحثًا عن الكماليات المحلية والسلع المستوردة.
ويشمل ذلك كل شيء بدءًا من الملابس التقليدية والعطور والمجوهرات وحتى مسبحات الصلاة الرائعة المصنوعة من الأحجار الكريمة وشبه الكريمة. كما أنه نقطة محورية لتجارة الجملة، حيث يوفر مجموعة واسعة من السلع المستوردة إلى الأسواق في جميع أنحاء المملكة.
يقع سوق البدو على بعد خطوات من باب مكة في جدة التاريخية، وهو سوق مسقوف، واشتهر بهذا الاسم لكثرة مرتاديه من أهل البادية، كانت تكثر به دكاكين متنوعة لبيع السلع في الماضي، لكن تغيرت طبيعته على مدى قرن من الزمان، وهو الآن يشتهر بالملابس النسائية والأقمشة والأوشحة وغيرها من السلع اليدوية التقليدية.
ويعد سوق قابل أحد أهم المناطق التجارية في جدة التاريخية، ويعود تأسيسه إلى أوائل القرن العشرين، وهو يعتبر من أشهر الأماكن تدخله الكهرباء حينها، ولا يزال إلى اليوم موقعًا متميزًا لمحلات بيع الذهب وصرف العملات، فضلاً عن السلع التقليدية، كما لا تزال العديد من مبانيه التاريخية قائمة حتى اليوم، حيث تعتبر الهندسة المعمارية الكلاسيكية والبناء الحجري المرجاني بمثابة شهادة على التراث العريق للمنطقة.
يقع سوق الجامع في حارة المظلوم بالقرب من مسجد الشافعي، ويعتبر رمزًا خالدًا للتقاليد والحياة الاجتماعية. ويحظى السوق بشعبية خاصة خلال شهر رمضان، ويشتهر بتشكيلته الفريدة من الأقمشة والملابس النسائية والإكسسوارات.
وبسبب قربه من سوق البدو فهو يمثل نقطة التقاء رئيسية لتجار السوق القدامى، ونقطة تبادل حيوية للسلع والقصص بين السكان المحليين والزوار، مما يجعله رمزًا دائمًا لتراث جدة التاريخية الغني.
تضم منطقة جدة التاريخية مطاعم عريقة يقصدها محبو المطبخ المحلي من جميع مناطق المملكة ومن خارجها، وتتوارث وصفاتها الخاصة الأجيال، محافظين على تراث ثقافي يمتد خلال الزمن. وتوفر هذه المطاعم تجربة حسية غنية بأجوائها التي تعود بروادها إلى الماضي، حيث يروي كل منها حكايات.
وفي إطار جهود برنامج جدة التاريخية للحفاظ على تراث المنطقة الثقافي، قام برنامج جدة التاريخية وضمن مبادرة المطاعم التاريخية بترميم واجهات بعض المطاعم التراثية والتاريخية، والمساهمة في تحسين هويتها البصرية وتصاميمها الداخلية، وفي توفير وسائل الدفع الإلكترونية وخدمات التوصيل، والتسويق لها عبر منصات التواصل الاجتماعي
يعد فرن الشيخ حجر الزاوية في مشهد الطهي في جدة التاريخية لأكثر من قرن من الزمان، وقد أسسه يوسف شكري، شيخ طائفة الخبازين في جدة. ويشتهر بخُبز البُر الأسمر (الحًّب)، الذي يخبز يدويًا ويقدم للزبائن ساخناً، تفوح منه رائحة الماضي العريق. ولا يقتصر زبائنه على أهالي جدة، بل يمتد إلى مدن المملكة الأخرى.
أما فول فتاح فيشتهر بطبق الفول المدمس مع الطماطم الناضجة والبصل المقرمش وأنواع مختلفة من زيت الزيتون الغني، وكلها معززة بالتوابل المحلية المختارة بعناية. وتشمل قائمة طعامه مجموعة متنوعة من الأطباق التقليدية التي تشكل وجبة إفطار دسمة، مع خيارات مثالية للغداء والعشاء أيضًا، وتعتبر كل وجبة بمثابة دعوة لاستكشاف ثراء المأكولات المحلية في أجواء ممتعة ومرحبة.
يقع مطعم البصلي للمأكولات البحرية الذي تأسس في العام 1949مـ في سوق باب مكة، ويعد اليوم من أحد أشهر مطاعم جدة التاريخية، حيث تلتقي تقاليد طهي المأكولات البحرية الأصيلة مع وصفات التوابل الخاصة مشكلين مزيجاً يجعل الزبائن ينغمسون في تجربة تذوق لا تنسى، في أجواء تجمع بين أناقة الماضي والراحة الحديثة.
يعد بيت المتبولي، من أقدم بيوت جدة التاريخية وأشهرها، إذ بُني في عام 1613مـ.
وتتميز واجهته الأنيقة بجمال أخاذ برواشينها التقليدية.
وأصبح البيت الآن متحفًا، يتيح للزوار فرصة الرجوع بالزمن إلى الوراء وتجربة طريقة الحياة التقليدية في جدة التاريخية.
ويقف بيت المتبولي كشاهد على التراث المعماري الغني والتاريخ الثقافي للمنطقة، بفضل مدخليه وتصاميمه الداخلية الجميلة، مما يجعله وجهةً مفضلة للمهتمين باستكشاف التراث.
يقع "تيم لاب بلا حدود" في ميدان الثقافة بجدة التاريخية، وهو متحف فني رقمي بالتعاون بين وزارة الثقافة ومجموعة "تيم لاب" العالمية. وهو المتحف الأول من نوعه في الشرق الأوسط. ويمتد على مساحة تزيد عن 10 آلاف م2، ويضم 80 عملاً فنيًا مستقلاً ومترابطاً، مما يوجد عالماً واحداً بلا حدود، حيث تتفاعل الأعمال الفنية مع الزوار ومع بعضها البعض.
ويمكن استكشاف المناطق السبع الفنية التي يضمها المتحف: عالم بلا حدود، والمنحوتة الضوئية، وغابة الألعاب الرياضية، ومدينة ألعاب المستقبل، وغابة المصابيح، وإن تي هاوس، وسكيتش فاكتوري، حيث تقدم كل منها تجربة آسرة يندمج فيها الفن بالتكنولوجيا، ويمتزج التفاعل والابتكار مغرياً الزوار بالتجول والإبداع واكتشاف فهم جديد للتواصل والزمن.
متحف طارق عبدالحكيم، يقع في قلب منطقة جدة التاريخية، يحتفي بأحد أشهر الموسيقيين والملحنين في المملكة العربية السعودية.
يعرض المتحف لمجموعة واسعة من المقتنيات الشخصية للموسيقار طارق عبدالحكيم، ومقطوعاته وعروضه الموسيقية.
ويمكن للزوار اكتشاف التراث الثقافي الغني للموسيقى السعودية، وتجربة العزف على الآلات الموسيقية في قاعات التفاعل المخصصة لذلك.
وتعمل وحدات البحث والأرشفة بالمتحف على الحفاظ على التراث الموسيقي السعودي، وتعزيز الوعي الثقافي والبحث الأكاديمي.
وتتميز جدة التاريخية بنمطها العمراني وهندستها المعمارية الفريدة، وتلفت بيوتها الجميلة أنظار زوارها، بأبوابها ورواشينها الخشبية المحفورة والمزخرفة، وبحجارتها المنقبية المستخرجة من بحرها، وبتكاليلها الخشبية التي تستخدم في دعم مبانيها، وتعطيها بعدًا جماليًا إضافيًا.
لكن ما يميز جدة التاريخية قبل كل ذلك، هو أبناؤها الذين بنوها، من حرفيين مهرة استغلوا المواد التي توفرها لهم بيئتهم، وعرفوا احتياجات مجتمعهم فوظفوا تقنيات البناء لتلبيتها.
ولأن تنمية الإنسان تأتي قبل تنمية المكان فإن برنامج جدة التاريخية يسعى إلى دعم كل المبادرات التي تسهم في إعادة إحياء الحرف التقليدية بالمنطقة، وأحد هذه المبادرات في هذا الصدد هو مشروع زاوية 97 والذي يقع في بيت الشرقي بحارة اليمن، والذي يقدم وينظم برامج متنوعة لتعليم الحرف والصناعات التقليدية في المنطقة، وخصوصًا المتعلق منها بحرفة حفر وزخرفة الخشب أو المنقور كما كان يطلق عليه في الماضي، ويقوم كذلك بدور حلقة الوصل بين الحرفيين والمصممين الموهوبين الذين يدمجون بين عراقة الفن الموروث وبين التجديد وفق منظور مستقبلي.
كما تقوم زاوية 97 بإجراء دراسات عن الأنماط المعمارية الجمالية في بيوت جدة التاريخية وتحليلها، ويحافظ على أسماء الممرات القديمة وروحها، حيث يمارس الحرفيون هناك نشاطهم، في أجواء فنية آسرة، تجذب زوار المنطقة.
فن النقش على الجبس هو موروث ثقافي يعكس التراث السعودي الأصيل والفن المعماري في بيوت جدة القديمة.
ويحظى اليوم هذا الفن الذي يتميز بتفاصيل النقش الدقيقة على الجبس، والذي يضيف هيبة وجمالًا لأي مكان يتواجد فيه، باهتمام كبير ويتلقى الدعم من برنامج جدة التاريخية الذي يسعى إلى إحياء الفنون التراثية للحفاظ على الموروث الثقافي العظيم للمنطقة.
صناعة الصابون الطبيعي من أقدم أنواع الحرف في الشرق الأوسط، وتعتمد بالأساس على الزيوت الطبيعية والأعشاب، ويدعم برنامج جدة التاريخية المبادرات الإبداعية والمواهب المختلفة للشباب السعودي، ويوفر مساحات لهم في المنطقة للتعبير عن إبداعهم.
ويحافظ الشباب الموهوب على الإرث الثقافي لهذه الحرفة من خلال صناعة الصابون الطبيعي، بالطرق القديمة التقليدية وباستخدام أدوات محلية وبحرفية عالية.
يعبر فن التطريز عن الهوية والثقافة، وله جاذبيته وأهميته عبر العصور، ولا يقتصر دوره على الملابس فقط، بل يمتد ليشمل مجالات كثيرة.
ويعتبر فن التطريز من الفنون المميزة بأشكاله وألوانه وتقنياته المختلفة، وهو مرآة تعكس الحياة اليومية لأجيال مضت، واليوم وبفضل رؤية السعودية ٢٠٣٠ توجد حالة من الحراك الفني والثقافي واهتمام عام بمختلف أنواع الفنون يخلق أجيالًا واعية متذوقة للفن.