تسعى وزارة الموارد البشرية إلى إحداث قفزة نوعية في القطاع الثالث وتحسين جودة أداء الجمعيات الخيرية من خلال أنظمة وبرامج الحوكمة التي سيكون لها دور فعال في تنظيم عمل المؤسسات الخيرية ونجاح برامجها وتعزيز الثقة، وقد جاءت فكرة حوكمة القطـاع غيـر الربحي وبرزت بمـا يتناسـب مـع خصوصيـة هـذا القطـاع وبمـا يتوافـق مـع الرؤيـة السـعودية 2030 الـتي تبنـت تنميتـه وتمكينـه ليصبـح مـن ركائـز البنيـة الاقتصادية والاجتماعية فـي المملكـة ومساند لمنظومـة الدعـم الحكومـي.
ونظراً للأثر الإيجابي الـذي حققـه تطبيـق معايـر وممارسـات الحوكمـة فـي الشـركات المسـاهمة علـى وجـه التحديـد فـي حمايـة حقـوق المسـاهمين والمسـتثمرين، ولوجـود تشـابه بيـن نمـوذج العمـل بيـن الشـركات المسـاهمة ومنظمـات القطـاع غـير الربحي وبرغـم اختـلاف الهـدف فـي كلتا الحالتيـن انطلقت فكرة تطبيق أنظمة الحوكمة على القطاع غير الربحي.
وأكد الأمين العام لمؤسسة الأميرة العنود والمتخصص في تنمية وتمكين القطاع الثالث الدكتور يوسف الحزيم لـ"سبق"، أن الحوكمة ظهرت لحاجة وهي أن أصحاب المصلحة قد لا يكونون على دراية عن ماذا يحدث بالشركات أو المؤسسات التي هم شركاء بها تجاريًا أو تطوعيًا، وعليه فإن الحوكمة هي أداة الثقة للجمعية العمومية بخاصة وأصحاب المصلحة من متبرعين ومتطوعين ومستفيدين بالقطاع الثالث، إذًا هي أداة رشادة ورقابة وإفصاح؛ ويتأكد هذا النموذج مع تكاثر الممارسات الخاطئة سواء بحسن نية "التفريط" أو بسوء نية "التعدي".
ويقول "الحزيم": "المؤسسات الخيرية بحاجة للأنظمة، وقد قام المركز الوطني للمنظمات غير الربحية بجهد مخطط نحو ذلك من خلال مبادرته "تمكين".
وأضاف: "الحوكمة وأنظمتها ستسهم في إصلاح وتصحيح مسار الكثير من مؤسسات القطاع الثالث ولا شك أن المبادرة سوف تسهم في ذلك؛ ولكن إحدى نقاط ضعف الحوكمة؛ هي الركون إلى تقاريرها، ففي الواقع إن الممارسة في بعض المؤسسات قد لا تعبر عن الواقع؛ وعليه فإننا مهما فعلنا، فإن أخلاقيات القائد والممارس هي الفيصل".
وقال الأمين العام لمجلس الجمعيات الأهلية بالمملكة الدكتور سلمان المطيري لـ"سبق": "لا شك أن نظام حوكمة الجمعيات الأهلية جاء تنفيذاً لمبادرة التحول الوطني ورؤية المملكة 2030م بعد الأخذ في الاعتبار واقع القطاع والمرجعيات النظامية، وأفضل الممارسات المحلية والعالمية، ومن أبرز الآثار التي سيتم تحقيقها هو الفصل بين الأدوار التشريعية والتنفيذية والرقابية، وتعزيز دور العمل المؤسسي وزيادة الدور التنموي للجمعيات وإقامة علاقة تكاملية بين الجمعية وأصحاب المصلحة من الأطراف المعنية".
وحول تحسن الأداء لمؤسسات القطاع، أشار "المطيري" إلى أنه من الطبيعي أنه سيتحسن دور الجمعيات في كل الجوانب، سواء في جانب تحقيق السلامة المالية أو جانب تحقيق الامتثال والالتزام، أو في جانب الإفصاح والشفافية وغيرها من الجوانب الأخرى المهمة، مما سينعكس إيجاباً على أداء وسمعة الجمعيات على المستوى المحلي والدولي.
وعن استمرار بعض الجمعيات ومؤسسات القطاع الثالث في العمل في ظل تطبيق أنظمة الحوكمة أو أنها ستختفي، أكد "المطيري" أن الجمعيات الأهلية بالمملكة تسعى لتحقيق التميز في كل مجال عملها وبرامجها، وبالتالي ستجتهد جميع الجمعيات لتحقيق معايير الحوكمة، ولدينا الكثير من الجمعيات السعودية التي حصلت على شهادات وجوائز عالمية، وفي ظني أن الجمعيات الأهلية بالمملكة متقدمة على الكثير من الدول من حيث تطبيق معايير الحوكمة أو معايير التميز المؤسسي وفق المؤشرات العالمية وذلك بفضل اهتمام قيادتنا الرشيدة التي وضعت من ركائز الرؤية الاهتمام بتطوير القطاع الثالث.
وأوضح مستشار حوكمة الشركات وعضو لجان المراجعة والحوكمة في عدد من الجهات عبدالله بن محمد الحربي، لـ"سبق": "لنتفق في البداية على أن الحوكمة ليست فقط الأنظمة التي تضعها الجهات المشرعة للقطاع كوزارة الموارد البشرية، بل تتعدى لأكثر من ذلك فإن الحوكمة هي مجموعة مفاهيم تشكل ثقافة المؤسسات غير الربحية، وبالتالي تشكل أنظمتها وتشكيلها الإداري وخلافه.
وبين: سيكون أثر الحوكمة على القطاع كبيرًا؛ حيث إن مفاهيم الحوكمة في القطاع غير الربحي تتركز على خمسة أهداف رئيسية:
1- تعظيم الأثر المجتمعي: من حيث التركيز على الأعظم أثرًا ونفعًا للمستفيدين الذين أنشئت من أجلهم الجمعية أو المؤسسة الخيرية وللمجتمع ككل.
2- الفعالية: من خلال زيادة فرص نجاح الإدارة وجودة الأداء في الأنشطة والبرامج.
3- الاستمرارية: من تمكين المؤسسات من العطاء وتقديم خدماتها واستدامة مواردها رغم أي تغييرات داخلية أو خارجية.
4- الحماية: ثبات المؤسسات غير الربحية على أهدافها ورسالتها التي أنشئت من أجلها دون التأثر سلبًا؛ بسبب سوء أو فساد إداري من خلال تنظيم تعاملات الأطراف ذات العلاقة وتنظيم سياسات الإفصاح والشفافية واتخاذ القرارات بشكل جماعي لامركزي.
5- الموثوقية: من خلال رفع مستوى الإفصاح والشفافية، مما يزيد من ثقة أصحاب المصلحة سواء الداعمين أو المستفيدين أو حتى العاملين بالتالي تزيد فرص الدعم المالي والتسهيلات.
ويتابع "الحربي": "بالطبع للحوكمة آثار إيجابية على المؤسسات الخيرية بتحسين الأداء واتخاذ القرارات وتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة وزيادة ثقة أصحاب المصالح".
وواصل: "على الرغم من أن الحوكمة قد تؤدي إلى زيادة التكاليف على الجمعيات والمؤسسات الخيرية إلا أنها ستسهم في استدامة المؤسسات الخيرية، وتعطي استمرارية في العطاء وتقديم الخدمات واستدامة مواردها مع تغير الظروف الداخلية والخارجية للمؤسسة".
وعن القصور أو تحسن جودة الأداء، يقول "الحربي": "أسباب عدة تُضعف أداء المؤسسة الخيرية؛ أهمها -من وجهة نظري- ضعف الهيكل التنظيمي وعدم تفرغ الإدارة، بل نجد بعضهم متطوعين لا يعطون للمؤسسة الخيرية كامل وقتهم وجهدهم، وضَعف الهيكل التنظيمي ومركزية في اتخاذ القرارات هذه الأسباب بالإضافة إلى عدم وجود استراتيجية واضحة وغياب الحوكمة".