في مثل هذه الأيام من كل عام يردد عشاق العميد الكلمات التي صدح بها الراحل طلال مداح، ولكن بطريقتهم الخاصة: "اليوم يمكن تقولي يا نفسي إنك سعيدة.. تشهد على صدق قولي دقات قلبي الجديدة.. (اثنان وتسعون) عامًا (وسط الزحام).. وأنا في دربي (معاك) ظهرت لي يا ملاك.. غيرت مجرى حياتي وشفت السعـادة معاك".. في كل عام تتجدد الذكرى السنوية للتسعيني الوقور الذي بدأت قصته في 4 يناير 1927؛ إذ نشأ في قلب جدة، وازدادت شعبيته وحب الناس له، وظل قاصدو عروس البحر لمدة طويلة لا يعرفون سواه؛ لذا حُق لهم التغني "جدة كذا إتي وبحر".. اختار لنفسه لونَي الذهب؛ ليعمق أصالة جذوره من الساحل الشرقي حيث حقول النفط الأسود.. إلى مهد الذهب الأصفر في المدينة المنورة؛ وتتسع بذلك دائرة المحبين على "أنغام اختلفنا مين يحب الثاني أكثر.. واتفقنا إنك أكثر وأنا أكثر".. تجاوزت حدود عشقه أسوار جدة وبحرها وسهولها وجبالها عبر الساحل إلى شواطئ أملج شمالاً، وجازان جنوبًا، وإلى الخليج شرقًا، وجماهيره تردد طربًا "أووووه يا إتي يا موج البحر".. وتجاوز هذا النمر الحدود المحلية؛ ليحقق الخليجية، ويتبعها بالعربية، وينطلق مزمجرًا مسطرًا أحلى الملاحم من الخليج إلى المحيط.. بل إن شموخه وعنفوانه جعلاه لا يكتفي بهذا الطموح؛ فقد واصل كتابة التاريخ، وتلاعب بحدود الجغرافيا؛ ليكون سيدًا للقارة الصفراء، واتسعت حدود العمادة؛ ليكون عميدًا لقارة بأكملها "هيا كذا.. آسيا ونمر..". هذا الشيخ الوقور صانع الرجال.. وخلفه ملايين العشاق كلما زاد عمره.. زاد شبابه.. ولم يتوقف طموحه مع أهزوجة "نمرنا يمشي ولا يتعب"، بل ظل أنصاره جيلاً بعد جيل يترقبون المزيد من البطولات، كيف لا!! وهو من جمع النفط بالذهب من حقول الجيولوجيا، وكتب لنفسه التاريخ، وتجاوز حدود الجغرافيا، بمزيج من الكيمياء السحرية بينه وبين عشاقه ضاربًا بجميع قوانين الفيزياء عرض الحائط؛ ليختصر شعاره جميع ما ذكرت.. وفي هذه المناسبة التي تستحق أن يُكتب فيها أعذب الأشعار والقصائد، وأن تُحكى عنها الروايات وروائع القصص.. كيف لا؟!! وهي مناسبة فخمة لذكرى ميلاد نادٍ، جمع العراقة والفخامة منذ تأسيسه.. ولم ينشق أو يندمج من نادٍ آخر، بل كتب الرقم "1" من بداية السطر، واستحق العمادة بكل معانيها.
هجمة.. مرتدة!!
شهد هذا العام تراجعًا مخيفًا للعميد الآسيوي، الذي كان آخر بطل سعودي حقق منجزًا عربيًّا وآسيويًّا، بل حتى السوبر السعودي - المصري، بعد أن شهدت الساحة الرياضية تراجعًا مخيفًا لأندية ومنتخبات الوطن في المنافسات الدولية. ونُلقي بالمسؤولية على اللاعبين الذين ارتفعت عقودهم بشكل خرافي، بينما انخفض أداؤهم بشكل مخيف في جميع المحافل المحلية والدولية.. فلم يحظَ اللاعب السعودي في الماضي بمقدمات عقود أو رواتب فلكية، ولكن كان شعاره الإخلاص لناديه، ومحاولة إسعاد الجماهير، وفي داخله حلم ارتداء القميص الأخضر، والوصول لتمثيل المنتخب، والقتال لأجل الوطن حتى ولو تلطخت ملابسه بالطين أو اختلطت بالدم.. لقد كان لدينا جيلٌ بعد جيل، افتخرنا بهم عبر الزمان؛ إلى أن ظهر لدينا جيل البلاي ستيشن والتويتر والفيس بوك والسناب شات والكدش والملابس الممزقة.. وارتفعت سقف طموحاتهم للتوقيع بأعلى الأرقام، ولكن مقابل أداء باهت وهزيل للأسف، سواءً في الأندية أو المنتخبات؛ فارتفعت الآهات، وزادت الأوجاع بعد أن تعودنا على الخسائر خارجيًّا، بل حتى مسابقاتنا المحلية أصبحت تفتقر فنيًّا للجُمل التكتيكية الرائعة التي كنا نستمتع بها في الماضي القريب؛ وأصبحت أغلب المباريات بدون لون أو طعم أو رائحة، باستثناء بعض مباريات الديربي أو الكلاسيكو..
على لاعبي جميع الأندية مراجعة حساباتهم، والتفكير بجدية بالاحتراف الخارجي الذي لن يتحقق إلا بالعطاء والقتال بالملعب، وبالظهور المشرف في المسابقات الخارجية مع أنديتهم أو مع المنتخب.. وهذا لن يتحقق إلا بالبُعد عن السهر والانضباطية والتغذية السليمة.. ويجب أن ترتفع سقف طموحاتهم للمشاركة مع الأندية الأوروبية، وعندها سيحصلون على مبالغ تفوق الخيال، ولكن!! عليهم العمل على تطوير أنفسهم، والتركيز بالملعب، ومراقبة تصرفاتهم خارج الملعب؛ لأن جميع الأنظار صوبهم؛ وهذه هي ضريبة الشهرة.. واليوم والأنظار تتوجه صوب منتخبنا الوطني في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة فإن الآمال ما زالت معقودة لرسم إنجازات جديدة للوطن، لو استشعر اللاعبون حجم المسؤولية الملقاة عليهم، وبذلوا الغالي والثمين لإسعاد الوطن الغالي.. (وما أظنك ناسية.. هالبطل يا آسيا).. وإن كانت المهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة.