حققت المرأة السعودية خلال السنوات الماضية نجاحات لافتة، واستردت حقوقها التي سلبها إياها بعض المتشددين الذين أرادوا لها الانزواء من الحياة العامة، وأن يقتصر الدور الذي تقوم به داخل بيتها، دون أن تكون لها الفرصة في أي إسهام حقيقي لتنمية مجتمعها، أو المشاركة في حركة تطوره.
ومع التقدير التام لدور المرأة في تربية الأبناء، وإعداد القادة للمستقبل، وتخريج الأجيال المقبلة القادرة على تسلُّم راية العمل والإنجاز، إلا أن قيامها بهذا الدور لا ينبغي أن يكون مبررًا لعزلتها أو تراجع دورها، أو أن يصادَر حقها في طلب العمل.
ومنذ مجيء هذا العهد الزاهر الذي نعيشه في الوقت الحالي تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- تضاعف الاهتمام بتمكين المرأة، ومنحها الفرصة الكاملة للمشاركة في العمل العام، وتزايدت وتيرة هذا التوجه بصورة ملحوظة بعد إقرار رؤية السعودية 2030 التي يقف وراءها سمو ولي العهد الأمير المجدد محمد بن سلمان -حفظه الله-، التي أولت النساء اهتمامًا غير مسبوق، ودعت إلى إزالة القيود التي تحول دون انطلاقهن في سماوات الإبداع والعطاء.
هذا الاهتمام لم ينبع من فراغ، ولم يأتِ مسايرة لضغوط خارجية، بل كان استجابة لرغبة داخلية، وتوجه حقيقي، إيمانًا بأن الحياة لا يمكن أن تسير بصورة طبيعية ونصف المجتمع معطَّل أو محروم من فرص الترقي والنجاح، كما كان تجاوبًا مع مطالب العديد من المواطنين الذين أرادوا تصحيح تلك الصورة المقلوبة، ومنح المرأة الحق الذي كفله لها الله سبحانه وتعالى.
وللحق والإنصاف، فقد سارعت المرأة السعودية إلى انتهاز هذه الفرصة الذهبية، والتحقت بميادين العمل والإنجاز، وأثبتت إمكانياتها وقدرتها على تحقيق الإضافة الإيجابية المطلوبة. ولا يكاد يخلو مجال من مجالات العمل إلا ونجد أن المرأة قد اقتحمته، وأثبتت لنفسها مكانًا فيه؛ فشهدنا المرأة وهي سفيرة تمثل بلادها، وبرلمانية تسهم في صناعة التشريعات، وعاملة تدفع حركة الإنتاج.
هذا التوجه له فوائد كثيرة لا تغيب عن البال، فإضافة إلى المكاسب الاجتماعية الواضحة فإنه أسهم في تحقيق نهضة اقتصادية ملحوظة؛ فالعديد من الإحصاءات المصرفية تشير إلى وجود مبالغ مالية بعشرات المليارات، تعود ملكيتها لنساء سعوديات، حصلن عليها عن طريق الورثة من آبائهن وأزواجهن. وتلك المبالغ الضخمة كانت مجمدة لعدم قدرتهن على استثمارها بسبب بعض القوانين المجحفة التي كانت تشترط إحضار موافقة ولي الأمر لإكمال معاملاتهن.
الآن لم يعد ذلك الشرط الغريب الذي يتعارض مع أبسط قواعد حقوق الإنسان موجودًا؛ ما دفع النساء لاستثمار تلك الأموال؛ وهو ما انعكس على إنعاش الأسواق عقب ضخ عشرات المليارات من الريالات في شرايين الاقتصاد؛ وتسبب في إيجاد أعداد كبيرة من الفرص الوظيفية، وزيادة حجم السيولة في السوق، إضافة إلى تعزيز دخل الأُسر، ومضاعفة عائداتها، ورفع القدرة الشرائية.
وحقيقة، فقد أثبتت التجربة أن المرأة السعودية على قدر التحدي، وبإمكانها تحقيق النجاح، وأنها تستحق رهان القيادة على قدراتها وكفاءتها؛ إذ استطاعت أن تتبوأ مناصب قيادية عديدة في مؤسسات حكومية حيوية وشركات مرموقة في القطاع الخاص.
لكن لأن ثقة القيادة لا تحدها حدود في قدرات المرأة، فإن هناك ضرورة لمضاعفة الجهد، وزيادة الهمة، والتركيز على مخرجات رؤية السعودية 2030 التي دعت في أكثر من موضع إلى تقليل نسبة البطالة بين النساء. ولن يتأتى ذلك إلا عبر المزيد من التأهيل، وترقية القدرات.
أخيرًا أهمس في آذان بعض الأخوات بأن أجواء الانفتاح الإيجابي التي نعيشها في الوقت الحالي ليس الهدف منها السماح للنساء بالتسكع في المولات، والتصرفات الخارجة عن حدود الذوق العام، التي تُرتكب في بعض الأحيان من أقلية بسيطة، أنا على يقين أنها لا تمثل المرأة السعودية التي عُرفت على مدار التاريخ بأخلاقها العالية الرفيعة وتقدير المسؤولية، إلا أنه كطبيعة أي مجتمع بشري هناك قلة تدمن السير عكس الاتجاه، وهؤلاء لم يستوعبن -للأسف- الرسالة، وليس بمقدورهن إدراك حكمة القيادة الرشيدة التي أرادت أن تتيح لهن الفرصة للإسهام في تنمية هذا الوطن الذي نتشرف جميعًا بالانتماء إليه.