
في واقعة تكشف عن صفة التواضع، اختبأ الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، على الطريق خارج المدينة المنورة، منتظرًا قدوم أميره على "المدائن" عاصمة كسرى حذيفة بن اليمان، كان عمر يريد أن يعرف هل غيرت المدائن حذيفة، أم ما زال على تواضعه؟ وفي واقعة أخرى نشاهد اثنين من الصحابة يتواضعان لبعضهما، حتى يقبّل أحدهما يد الآخر.
أرسل الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حذيفة بن اليمان، رضي الله عنهما، أميرًا على مدينة المدائن، وأرسل معه رسالة إلى أهل المدائن يوصيهم فيها بطاعة حذيفة وإعطائه ما يطلب منهم.
فتوجّه حذيفة إلى المدائن وهو يركب حماره ويحمل طعامه، وعند قدومه خرجت جماعة من كبار أهل المدائن ليتلقّوه، فلقوا رجلًا على حمار وهو يجلس ورجلاه في جانب واحد من الدابة، فلم يعرفوا أنه الأمير؛ لتواضع دابته وموكبه، فتركوه يمشي حتى دخل المدائن.
وحين عاد كبار القوم سألوا الناس: أين الأمير؟ قال الناس: هو الذي لقيتم، فركض الجميع في إثره حتى أدركوه وفي يده رغيف وفي الأخرى عًرْق "قطعة لحم"، وهو يأكل، فسلّموا عليه، فنظر إلى عظيم منهم وناوله العرق والرغيف، فأعطاه "الرجل" لخادمه.
وقال أهل المدائن وكبارها: سلْنا ما شئت، فقال حذيفة: ما دمتُ أميرًا عليكم، لا أسألكم إلا طعامًا آكله وعلقًا لحماري.
فأقام حذيفة بن اليمان ما شاء الله، ثم كتب إليه عمر أن أقْدم إلى المدينة، فقدم، فلمّا بلغ عمر، رضي الله عنه، قدومه، كمن له واختبأ على الطريق في مكان لا يراه؛ كي يرى حال حذيفة وهل غيّرته الإمارة على المدائن عاصمة كسرى؟ فلما رآه على الحال التي خرج من عنده عليها وبنفس تواضعه، أتاه واحتضنه وقال: أنت أخي وأنا أخوك.
يحكى أن زيد بن ثابت، رضي الله عنه، صلى على جنازة، ثم أراد أن يركب بغلته، فجاء عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، فأمسك الركاب الذي يضع فيه الراكب قدمه أثناء صعوده على ظهر الدابة، ليساعد زيدًا، رضي الله عنه، على الركوب.
فطلب زيد منه أن يترك الركاب، وقال له: خلّ عنه يا ابن عم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرفض ابن عباس، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء والكبراء، فأسرع زيد بن ثابت، رضي الله عنه، وأمسك يد ابن عباس وقبّلها، وقال: وهكذا نفعل بأهل بيت نبينا، صلى الله عليه وسلم.