نظن كثيرًا أننا فُهمنا بالشكل الذي نريده، ونُفاجَأ بأننا ما زلنا في دائرة عدم فهم الآخرين لنا؛ وهذا ليس سببه نحن أو هم، بل بسبب السياق غير الواضح بالنسبة للأطراف، الذي يؤثر بشكل سلبي على مقدار الفهم.
وقد ظهر مصطلح انهيار السياق context collapse في الثمانينيات الماضية (1985) على يد Joshua Meyrowitz الذي أشار فيه بشكل عام إلى كيفية تسرُّب الأشخاص والمعلومات والمعايير من سياقات إلى حدود وسياقات أخرى، وذلك باعتباره أحد أشكال التأثير لوسائل البث؛ إذ أكد فيه أن الصحفيين لم يعودوا يقتصرون على جمهور محدود، بل أصبحوا يتحدثون إلى جماهير متعددة، ولكل منهم توقعاته المختلفة ـ وأحيانًا المتباينة ـ حول الأخبار والعالم بشكل عام.
وجاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتؤكد ذلك؛ إذ ربط Michael Wesch عالم الأنثروبولوجيا الثقافية انهيار السياق بما يحدث في التعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي، في إشارة إلى أن المرء يتحدث عن أمر ويستقبل حديثه بتفسيرات مختلفة لما أراد قوله، منها الصحيح وغير الصحيح، وكذلك التفسير الذي ليس له علاقة بالموضوع.
فمن الممكن أن يكتب المرء تعليقًا مرتبطًا بحادثة معينة، أو بنكتة تعوّد تداولها مع أصدقائه، لكنها تُفهم بشكل مختلف تمامًا كما حدث مع جاستين سوكو التي فقدت عملها بسبب ضغط الجماهير على الجهة التي تعمل بها بسبب تغريدة كتبتها مازحة وهي في طريق سفرها إلى جنوب إفريقيا؛ إذ خرجت التغريدة من سياقها الذي قصدته سوكو، واتصلت بسياق آخر في أذهان الجمهور الذي هاجمها، وتسبب لها بأضرار نفسية واجتماعية وعملية بالغة.
التأكد من وصول ما نود قوله يمنح كلامنا فرصة أن يصل كما هو بعيدًا عن خطر وصوله خاطئًا، أو بغير ما أُريد له. ولن نستطيع إيصال كلامنا كما نشاء إن لم نُمنح فرصة للتعبير عنه، ونمنح الآخرين فرصة إيصال أفكارهم. وتعاني الأفكار والأحاديث والسياقات بشكل عام من انهيارات بسبب وسائل التواصل الاجتماعي؛ فمن تلاشي فكرتَيْ الزمان والمكان وصولاً إلى انقطاع الطريق الموصلة لتاريخ المعلومة، مرورًا بفقدان الخصوصية، وتداخُل الأدوار الاجتماعية. هذه الشبكة المتداخلة من الانهيارات تجعل المستخدم للشبكة في حيرة من أمره؛ في بحثه عن الحقيقة، وعن أصل الفكرة، وعن شرارة الموضوع.. فماذا عسى المرء أن يفعل لتجاوز كل ذلك؟!