بانتهاء العام الدراسي الحالي تمرُّ على أبنائنا ثلاثة فصول دراسية -أو ما يقاربها- وهم يتعلمون عبر نمط (التعليم عن بُعد)، الذي فرضته علينا وعلى العالم جائحة كورونا. وكثيرون تحمسوا لهذا النمط من التعليم - من بينهم كاتب هذه السطور - لأنه كان الحل الأمثل والأكثر أمانًا لأبنائنا وللمجتمع في ذروة تفشي الجائحة.
والآن، ومع وجود أنواع عدة من اللقاحات ضد فيروس (كوفيد - 19)، الذي كان وراء انتشار هذه الجائحة عبر العالم، بدأت المناعة الجماعية للبشر ترتفع ضد خطر الإصابة بهذا الوباء، وتتوقع الجهات الصحية انقشاع هذه الجائحة غير المسبوقة -بإذن الله تعالى- في فصل الصيف المقبل، وبدأت شركات الطيران تستعد لعودة الرحلات الدولية، وهناك تفكير في دول أوروبية عدة في استصدار أنظمة سفر جديدة وآمنة باعتماد شهادات صحية رقمية، والعالم يستعد لعودة الحياة الطبيعية التي كان البشر يعيشونها قبل الجائحة!!
أما التعليم فكيف سيكون النمط التعليمي بعد كورونا؟ وهل يعني اعتبار (التعليم الرقمي) أو (التعليم عن بعد) خيارًا استراتيجيًّا في السعودية أن يبقى هذا النمط من التعليم هو النمط السائد حتى بعد زوال خطر تفشي فيروس كورونا؟ وهل هناك دراسات علمية رصينة بحثت هذا الموضوع من جميع أبعاده؟ فعلى سبيل المثال، هل يناسب التعليم عن بُعد الطلاب في المراحل المبكرة، ولاسيما مرحلة التعليم الابتدائي، أو على الأقل السنوات الثلاث الأولى منها، فضلاً عن مرحلة الروضة؟ وكيف كانت النتائج الدراسية (للتعليم عن بعد) على أرض الواقع خلال الفصول الدراسية الثلاثة الماضية؟ هل تمت العملية التعليمية بالشكل المُرضي؟ وكم نِسَب النجاح في تحقيق أهداف التعليم عبر الفصول الافتراضية؟ وهل يصح أن يصبح الاستثناء الذي ألجأتنا إليه الضرورة هو القاعدة التي نسير عليها؟ هناك دراسات علمية أُجريت في دول عدة، تحذر من مخاطر على الصحة النفسية والعقلية للأبناء، يمكن أن يتعرضوا لها في حال استمرار غلق المدارس وفرض الحجر الصحي، فضلاً عن وجود شبه إجماع بين علماء التربية على أن التعليم عن بعد لا يصلح أن يكون هو الأصل في العملية التعليمية التي يمرُّ بها الأطفال صغار السن؛ لأن ذلك يحرمهم من اكتساب مهارات التواصل الحقيقي على أرض الواقع، كما يبعدهم عن الفهم الصحيح والدقيق للمفاهيم العلمية البسيطة التي يدرسونها، فضلاً عن صعوبة التأكد من اكتساب الطفل الكم المطلوب من المعرفة، وقدرته على التحصيل الدراسي الجيد عبر هذا النمط من التعليم.
ومن اللافت حالة الصمت التي تعيشها مؤسساتنا التعليمية بخصوص طبيعة الدراسة للعام الدراسي المقبل الذي سوف ينطلق -بإذن الله- بعد أقل من خمسة أشهر!!
وفي مقدمة هذه المؤسسات وزارة التعليم، وهيئة تقويم التعليم والتدريب، والمركز الوطني للتعليم الإلكتروني.. ففي حدود علمي لم تظهر أية تصريحات حول طبيعة النمط التعليمي خلال العام الدراسي القادم! وفي الحقيقة لا أفهم سببًا لهذا الأمر!! ولماذا لا يطرح الموضوع لنقاش مجتمعي واسع وصحي عبر منصات مختلفة، وخصوصًا أن الوقت يمضي سريعًا، وما هي سوى بضعة أشهر ثم يبدأ العام الدراسي الجديد، ومن المطلوب أن نفهم كيف ستسير الأمور، سواء على مستوى أولياء الأمور، أو مستوى الطلاب، أو حتى مستوى المعلمين وأعضاء هيئة التدريس.
نعم، بذلت وزارة التعليم ومؤسسات الدولة المعنية بالتعليم مشكورة غاية الوسع والطاقة في استيعاب أزمة جائحة كورونا، وتوفير التعليم عن بعد لأبنائنا الطلاب بمستوى معقول من الجودة.. ولا ينكر هذه الجهود المباركة إلا جاحد أو جاهل، لكن من المفيد أن نتشارك جميعًا التفكير في المستقبل.. ومن المهم أن نعرف مبكرًا تعليمنا العام القادم.. كيف سيكون؟!