نسف الباحث والمؤلف في الآثار والجغرافيا تركي القهيدان المزاعم التي أوردها المؤرخون في كتبهم عن حفر جن سيدنا سليمان عليه السلام لآبار قرية لينة شمال المملكة، مبيناً أنها خرافات وأساطير وغير حقيقية، مستشهداً ببعض الأدلة والبراهين التي تؤكد أنها من صنع البشر.
وفي التفاصيل، قال القهيدان لـ"سبق" إن لينة ليست على طريق بيت المقدس اليمن وعَلَى هَذَا الحال يجب عَلَى المسافر مِنْ بيت المقدس أن يتجه نحو الشرق في صحراء قاحلة، تحديداً إلى لينة قرابة 1000كم، ثم يعود مرة أخرى نحو الغرب 1000كم، وهذا مستبعد الحدوث والأولى أن يتجه جنوباً من بيت المقدس إلى اليمن مع الطريق المشهور التجاري أو الساحلي.
وأضاف: الجن لا تعلم الغيب ولو أنهم يطلعون عليه لعلموا بموت سليمان ولم يلبثوا فِي العذاب سنة، كما قَالَ عز وجل (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْه الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).
وأردف: الآبار المنقورة في الصخر ليست معجزة لوجود ركايا مشابهة: ما ورد فِي الآية القرآنية: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء) فلا يحق لنا أن ننسب للجن كل مَا نشاهده مِنْ آثار لحضارة موغلة فِي القِدَم حيرت بعض علماء الآثار، وقد وقفتُ عَلَى ركايا ومناجم تعدين كثيرة منقورة فِي الصَّخْر فِي مناطق المملكَة مِنْهَا: الركية الثمودية (البِئْر النبطية) قرب جَبَل المحجر الغَرْبِي بمَنْطِقَة الْحِجْر فِي أَرْض القَصِيْم: ركايا رامه، ركايا عيون الجِواء، مناجم تعدين قرب النقرة، ركية سيسرا فِي سكاكا، بئر زبالة لوحدها تعدُ أعظم نحتاً من آبار لينة.
وتابع: غير صحيح أن الآبار لا تتسع لدخول الرجل الواحد والصواب تتسع لأربعة رجال في المتوسط، وفيها حفر منقورة فيها على قدر القدم بهدف الصعود والنزول لصيانة البئر، وهو ما يؤكد أن البشر هم من حفروها.
وأكمل: الصخور رسوبية وليست نارية يستحيل النقر فيها، وصخور لينة من أصلب الرسوبية (دلوميت)، ومع ذلك ليست بقوة وصلابة الصخور النارية، أيضاً من الملاحظ أن الحفر يتم في منطقة التقاء الشقوق في الأرض وذلك بهدف جمع مياه الأمطار وسهولة الحفر.
وقال "القهيدان": لا يحق لنا طمس الحضارات في بلادنا، وعلى هذا الحال كل حضارة في بلادنا نطمسها ونرجع أعمال الآباء إلى خرافات الجن، فما الذي يمنع من وجود حضارة قبل آلاف السنين موازية لحضارة الفراعنة في بناء الأهرامات وفي تحنيط الجثث التي عجز العلم الحديث عن كشف أسراره حتى وقتنا الحالي، ثم ما الذي يمنع من نقل الحضارة منهم كمواد لتفتيت الصخر وآلات لحفر الآبار؟ كما ننقل في وقتنا الحالي الحفارات من البلاد الغربية ونحفر الآبار الضيقة فيها.
واختتم بالقول: سيدنا سليمان لم يذهب إلى بلقيس باليمن، ونبطل خُرَافة قصة حفر الجن آبار لينة الواردة في معجم البلدان، وفي لسان العرب وغيرها من أمهات الكتب، بكلمة واحدة وردت في القرآن: (وَأْتُونِي) فالصواب أن بِلْقِيس جاءت إلى سليمان في فلسطين. كما ورد في محكم التنزيل (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ).
يُذكر أن آبار قرية لينة يبلغ عددها أكثر من 300 بئر، وتنتشر بشكل كبير داخل حارات وأحياء القرية، وعمق البعض منها نحو 20 متراً، ويعود حفرها كما ورد في العديد من الكتب التاريخية إلى عهد سيدنا سليمان عليه السلام، ويروى أن الجن هم من حفروها.
وأورد ياقوت الحموي فِي معجمه: يقال إن شياطين سُلَيْمَان احتفروهُ وَذَلِكَ أنه خرج مِنْ أَرْض بيت المقدس يريد اليمن فتغدّى بلينة وَهِي أَرْض خشناء فعطش الناس وعزَّ عليهم الْمَاء فضحك شيطان كان واقفاً عَلَى رأسه فقَالَ له سُلَيْمَان: مَا الذي يضحكك؟ فقَالَ: أضحك لعطش الناس وهم عَلَى لجة البحر، فأمرهم سُلَيْمَان فضربوا بعصيّهم فأنبطوا الْمَاء.
وقال ابن منظور: لِـينة: مَاء لبنـي أَسد احْتَفره سُلَيْمَان بن داود علـيهما السلام.. ثم أورد الرواية، فيما ذكر الشَّيْخ حَمَد الجاسِرْ: لينة مَاء لبني غاضرة، ويقال إن شياطين سُلَيْمَان احتفروها.. ثم أورد الرواية.