تحتل الإبل مكانة خاصة في المجتمع السعودي، باعتبارها أحد أهم رموز التراث والثقافة حيث ارتبطت الإبل بحياة أهل الخليج منذ القدم، واهتمت بها الدولة على الصعيدين الرسمي والشعبي حتى أصبحت إرثًا تاريخيًا خاصًا ومجدًا عريقًا يعكس الماضي وموردًا اقتصاديًا مهمًا للكثير من مربي الإبل.
ولم يكن اهتمام الحكام السعوديين بالإبل بحسب "الدليل المعرفي التاريخي للإبل" الذي نشرته وزارة الثقافة بمناسبة عام الإبل 2024م، قريب عهد بل جاء اهتمامهم متأصلاً منذ عهد الدولة السعودية الأولى، وانتقلت قصة عشق موروث للإبل من جيل إلى جيل، ابتدأها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود.
عرف الإمام عبد العزيز بحبه للإبل واهتمامه بها وبنوادرها منذ صباه وأصدر - رحمه الله - أمرًا ينص على أن من يجد إبلاً ضالة في الصحراء فعليه القدوم بها للدرعية، وخصص عليها "عبيد بن يعيش" مسؤولاً لجمعها ورعايتها وتكاثرها، وكان كل من ضاع له شيء من الإبل أتى إلى تلك الإبل فإذا عرف ماله أتى بشاهدين، أو شاهد ويمينه ثم يأخذه.
في أحد الأيام كان الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - بمخيّمه في العقير، وصادف أن أناخت قافلة إبل بالقرب من مخيمه، وكان بها جمل بدت عليه علامات التعب من العمل المتواصل والحر الشديد، حينها رأف به الملك عبد العزيز وأشار إلى صاحبه، وأبلغه أن يتركه يستريح، وأن يعيده إلى القافلة رأفةً بحاله وقال - رحمه الله - عبارته المأثورة: "من لا يُنصف بعيره لا يُنصف الناس".
جمع الملك عبد العزيز جميع نوادر الإبل وبلغ اهتمامه بها، حيث كان يعزل نوادر الإبل وحدها، وأنواع الإبل الأخرى وحدها، حرص على تعيين أفضل الرعاة لها، لم يكن مقتصرًا - طيب الله ثراه - على نوع معين بل حرص على اقتناء وشراء جميع أنواعها وألوانها، فكانت عملية رعايته للإبل عملية منظمة ومرتبة، إذ كان يرتب إبله على حسب ألوانها وأنواعها، وتعد "مصيحة" إحدى أشهر هجن الملك عبد العزيز، والتي تتميز بسرعتها وخفة حركتها، فكانت مخصصة للمهمات السريعة عنده، وكانت هناك ناقة محببة لديه اسماها بـ"الدويلع" كناية عن الدلع، وحينما كان يناديها رحمه الله باسمها تأتي إليه.
وعلى الرغم من انشغاله في تأسيس دعائم الحكم؛ إلا أنه لم يغفل إبله عن رعايته واهتمامه، حيث عين عليها من يقوم على العناية بها على أكمل وجه، إذ بلغ رعاة الملك عبد العزيز لإبله ما يقارب التسعين راعيًا.
ومن صور إيثار الملك عبد العزيز وحرصه على شعبه، قاسمهم أقرب ما يملك إلى قلبه، وهي إبله "ريمات" إذ كانت توزع على حسب احتياجات المواطنين منها مثلاً الرعية التي عددها سبعون توزع على أربعة أو خمسة أشخاص كل واحد فيهم يحصل على خمسة عشر أو أربعة عشر، إلى جانب صرف الرواتب لهم، ووسع الملك عبد العزيز مراتع "ريمات" حيث شملت أجزاءً كبيرة من أجزاء المملكة العربية السعودية.
اهتم الملك سعود بالإبل اهتمامًا بالغًا، فقد طلب من أهل الهجن، مرافقة موكب سياراته الخاصة، وأخذ يهيجن "يلقي القصيد" لأهل الإبل، وعندما وصلوا مكانهم ونزلوا أبلغه أحدهم بأن وضعوا سباقًا لأهل الجيش، فرحب بذلك ورد بأن جوائز الفائزين سيتكفل بها، حتى رأى الملك سعود رحمه الله ذلول شقراء جذبته بجمالها، فأيقن بأنها ستكون الفائزة فسأل عنها وعن مالكها، ثم رمى الملك سعود بـ"الفرد" علامة منه لانطلاق السباق، وبالفعل فازت تلك الذلول، فأعطى الملك سعود جميع المشاركين جوائز حتى من لم يفز منهم، إكرامًا وتشجيعًا لهم.
قام الملك فيصل في عام 1394هـ / 1974م بتنظيم المهرجانات ومنها سباقات الهجن، وفي عام 1404هـ/1984م أسست في الرياض مؤسسة سباق الهجن الملكية، والتي ازدهرت في وقت قصير واحتلت مكانة عالمية، إذ أصبحت تمثل أهم سباق للهجن في العالم، الذي استقطب عددًا هائلاً من ملاك الإبل وهواته من جميع أنحاء العالم.
كانت توضع كمامات خاصة لمعظم الهجن، لغرض منعها من الإفراط في الأكل لكثرة المراعي في المنطقة، للمحافظة على رشاقتها ولياقتها، كما كانت تدرب الهجن بشكل يومي استعدادًا لوقت السباق الكبير، كما رعى الملك فيصل رحمه الله في عام 1394هـ / 1974م أول سباق في نادي الفروسية في الرياض بالتعاون مع الحرس الوطني.
كان الملك فيصل بن عبد العزيز - رحمه الله - حريصًا على دعم مربي الإبل ورعاتها، حيث أصدر الأمر السامي في اجتماع مجلس الوزراء في جلسته المعتادة يوم الأربعاء 20 /11 /1394هـ الموافق 04 / 12/ 1974م برئاسة سمو الأمير فهد بن عبد العزيز "آنذاك"، إذ اتخذ المجلس عددًا من القرارات لدعم المشروعات ومنها تقديم إعانة نقدية لمربي الإبل.
اعتنى الملك خالد بن عبد العزيز بتربية الإبل واقتناء أجودها، وقد نتج عن اهتمامه هذا انتشار ثقافة اقتناء الإبل ورعايتها، فكان أول من استورد الإبل من الخارج، المسماة سلالتها بـ" الصميماء" والتي تعرف بالسلالة الملكية الفاخرة، ومن سلالتها (قطيوان) نسبة إلى طائر القطا صغير الحجم سريع الحركة، وكذلك (الأخطل) التي تمتاز بسرعتها العالية.
عرف عن الملك فهد بن عبد العزيز محبته للإبل والاستمتاع بعروضها أمامه، ففي يوم من الأيام كانت تعرض أمامه الرعايا المشهورة، مثل الشرف، شبح أبوعظام، وغيرها، فسأل الملك فهد ما فيه وضح وضاحها لاهق "المقصود صافية غير ملونة" أي يبحث عن السلالة العريقة. فقال الفريق محمد بن حمدان موجودة طال عمرك وأن سمحت عرضناها عليك، فأمر بعرضها فعرضت أمامه عرضًا طيبًا، فسعد الملك فهد بما رآه وقبل بها كإهداء من محمد بن حمدان له.
أولى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله عنايته بالمهرجانات الثقافية والتراثية وعلى رأسها المهرجان الوطني للتراث والثقافة، في نسخته الأولى عام 1406هـ/1985م إذ تطور من مجرد سبق للهجن إلى مؤسسة ثقافية تعمل كل عام على استقطاب نخبة من المفكرين والمثقفين لمناقشة عدد من المسائل الثقافية، كما يُقام كل عام على أرض الجنادرية قرية للتراث الشعبي تشمل سائر النشاطات الثقافية والتراثية من مختلف مناطق المملكة العربية السعودية إلى جانب استمرار سباق الهجن.
كان الملك عبد الله رحمه الله مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالصحراء وما يتعلق بها، ومن أهم ما يمثلها الإبل، فاعتنى بها وأقام لها المهرجانات والاحتفالات، وأمر بتخصيص عدد من الأماكن المخصصة لها مثل: مضامير الهجن والملاك وعزب المضمرين، فعاد هواة الإبل بكل حماس من جديد فأغدق عليهم الأعطيات والجوائز، وعندما لاحظ العودة الكبيرة للإبل وسباقاتها بهذا الشكل المبهج أقام في عام 1405هـ / 1984م، عندما كان ولي العهد في المهرجان الوطني للثقافة والتراث الذي افتتحه الملك فهد رحمه الله، فأصبح مهرجانًا سنويًا على مستوى محلي وإقليمي.
وسع الملك عبد الله دائرة هذا المهرجان، ليصبح مهرجانًا ثقافيًا وأدبيًا إلى جانب اعتباره الأساس بأنه مهرجان تراثي وثقافي توافدت عليه كثير من الشخصيات البارزة عالميًا، حيث أصبح هذا المهرجان الذي حظي برعاية كاملة من الملك عبد الله أيقونة ثقافية عالمية يترقبها الزوار في كل عام.
في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز اتخذت المملكة خطوة رئيسة نحو تعزيز التراث الثقافي المتعلق بالإبل، حيث أصدر مجلس الوزراء السعودي القرار رقم 21 بتاريخ 9 / 1 /1438هـ الموافق 10 /10 /2016، موافقًا على تنظيم جائزة الملك عبد العزيز لمزاين الإبل والأنشطة المرتبطة بها وفق قواعد وضوابط تراعي الجوانب الصحية والأمنية والثقافية.
وفي 13 إبريل 2017م رعى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الحفل الختامي لمهرجان الملك عبد العزيز للإبل في نسخته الجديدة لعام 1438هـ وهو مهرجان سنوي ثقافي اقتصادي رياضي ترفيهي، في الحفاظ على الهوية الوطنية ويعرف الأجيال والعالم بهذا المكون التاريخي الذي أصبح وجهة سياحية وثروة ثقافية وتراثية واقتصادية.
يمتلك الأمير محمد بن سلمان مجموعة من الإبل بمختلف أنواعها وألوانها، ولديه إبل الشرف وهي الباقية من إبل الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، وقد تم توثيق لقب (الشرف) اسمًا لمنقية الأمير محمد بن سلمان على منصة "تمها" الإلكترونية والتي فعلت لتوثيق أسماء المنقيات المشاركة بالمهرجان.
وحرصًا من الأمير محمد بن سلمان على إحداث نقلة نوعية ثقافية وتراثية تعكس ثقافة المملكة العربية السعودية وموروثها الشعبي، فقد وجّه بالعديد من الإجراءات التي تخدم الإبل وأهلها، والتي تتوافق مع رؤية السعودية 2030، ابتداءً من مهرجان الملك عبد العزيز للإبل إلى إنشاء نادي الإبل في 21 يوليو عام 2017 بوصفه مشروعًا وطنيًا يعكس حجم الاهتمام الذي توليه المملكة للإبل والاحتفاء بها كرمز وطني في مناسباتها واحتفالاتها بتراث هذه البلاد.
يُذكر أن وزارة الثقافة تتولى الإشراف على "عام الإبل 2024" وتعمل على إبراز قيمة الإبل وارتباطها بالهوية السعودية، عبر مبادرات وبرامج متنوّعة، تنفّذها الوزارة بالتعاون مع شركائها، لتعزيز الجهود الوطنية لتنمية قطاع الإبل وزيادة مستوى مساهمته في التنمية الوطنية.