لطالما فرّقت الرياضة بتعصبها الممقوت قلوبًا ملتصقة يجمعها رابط القرابة والصداقة والهواية الساحرة؛ إلا أنها أعطت الوجه المثالي للوسط الكروي في المملكة، عندما توحدت المشاعر الحزينة والدعوات الصادقة تجاه لاعب المنتخب السعودي ونادي الشباب فهد المولد، الذي يرقد في العناية المركزة بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية بالحرس الوطني، فاقدًا الوعي.
وخلال الأيام الماضية تصدر "المولد" قوائم اهتمامات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، لتمتلئ صفحات تلك المواقع بالدعوات والأمنيات للاعب الشاب بالشفاء العاجل، منذ الإعلان عن تعرضه لأزمة صحية حرجة.
وكانت القيادة العامة لشرطة دبي، قد أعلنت -في وقت سابق- عن سقوط "المولد" من شرفة منزله بالدور الثاني، وقالت في بيان لها: الحالة الصحية للاعب فهد المولد تحت المراقبة؛ حيث يرقد في العناية المركزة في أحد مستشفيات دبي؛ فيما تتواصل جهود الفِرَق الطبية لتقديم الرعاية اللازمة له"، ليُنقل لاحقًا إلى الرياض وتحديدًا مستشفى الحرس الوطني.
ولد فهد المولد في مدينة جدة، وعرف حب كرة القدم في سن مبكرة، إذ ظهرت مهارته الفنية لتؤهله للعب مباراته الأولى عندما كان يبلغ من العمر 16 عامًا، مع فريقه الاتحاد ضد الرائد، لينطلق بعدها محققًا نجاحات متوالية داخل المستطيل الأخضر؛ حيث شارك محليًّا وقاريًّا مع نادي الاتحاد في العديد من المباريات التي سجل وصنع فيها عشرات الأهداف وعُرف بسرعته العالية وقدراته الفنية الكبيرة وامتلاكه لمسة مميزة أمام مرمى الخصوم.
وحقق "المولد" مع النمور كذلك كأس بطولة "خادم الحرمين الشريفين" موسم 2012- 2013، وكأس بطولة "ولي العهد" موسم 2016- 2017.
ويروي جيران المولد في حي العزيزية بجدة، أنه في طفولته كان يمسك الكرة كل صباح أثناء خروج الموظفين إلى أعمالهم، ولم يتوقف عن فعل ذلك حتى التحق بمدرسة جابر بن حيان الابتدائية، وهناك فاز مع فريقه بلقب بطولة "دوري المدارس"، وطار مع أقرانه إلى لندن من أجل بعثة كروية في نادي تشيلسي لمدة شهر.
ويرى مراقبون أن المولد يحظى بمكانة خاصة في نفوس جمهور نادي الاتحاد، ويصفه الكثيرون منهم بأنه "أسطورة الفريق"، وأنه وريث الأسطورة محمد نور، خاصة وأن اللاعب اعتاد كلما سجل هدفًا الاتجاه نحو المدرج الشمالي الغربي في الملعب الجوهرة، ويحتفل بيديه من الأعلى إلى الأسفل، وسط صرخات جماهيرية تشعل الأجواء من الحماس.
لعب المولد دورًا هامًّا في وصول المنتخب السعودي إلى نهائيات كأس العالم في قطر 2022، من خلال قيادة "الأخضر" لتصدر مجموعته برصيد 23 نقطة بتحقيق فوز سبع مرات وتعادل مرتين وخسارة واحدة.
كما شارك كذلك في تأهل المنتخب السعودي إلى المونديال السابق الذي أقيم في روسيا عام 2018، ليبقى هدف التأهل الذي سجله المولد على اليابان حاضرًا في أذهان الجماهير دومًا.
وفي العام 2018، انضم المولد لصفوف نادي ليفانتي الإسباني بتعاقد على سبيل الإعارة، ليصبح أول لاعب سعودي يشارك بشكل رسمي في مباراة بالدوري الإسباني الدرجة الأولى.
وحصل اللاعب الشاب على اللقب من خلال مشاركته في مباراة فريقه ليفانتي أمام ليغانيس؛ حيث دخل عند الدقيقة 80 بدلًا من إينيس بردهي، وكانت النتيجة 3- 0 لصالح فريقه، وقد انتهت على نفس النتيجة.
وقبل إطلاق منافسات مونديال قطر، نشر الموقع الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، تقريرًا أشاد فيه بقدرات فهد المولد نجم المنتخب السعودي؛ مؤكدًا أنه سيحظى بفرصة جديدة لإعادة اكتشاف نفسه مجددًا، حين يشارك في منافسات كأس العالم ٢٠٢٢، بعد مشاركته في مونديال في روسيا ٢٠١٨ تحت قيادة الأرجنتيني خوان أنطونيو بيتزي.
وفي هذا الوقت قال موقع الفيفا: إن هيرفي رونار المدير الفني للأخضر، منح للمولد فرصة ربما كانت صعبة المنال بضمه للقائمة النهائية للأخضر في قطر ٢٠٢٢؛ إذ لا يمر لاعب الشباب بأفضل فتراته حاليًا".
ومع ارتفاع التوقعات بشأن ما يمكن أن يقدمه المولد في كأس العالم، جاءت المفاجأة الصادمة بحرمانه من المشاركة في البطولة، بعدما أعلنت لجنة الرقابة على المنشطات، إيقافه لمدة عام ونصف، بعد ثبوت وجود مادة محظورة في عينته.
وفي هذا التوقيت، كان الخبر صادمًا لجماهير ومحبي نادي الاتحاد وللمنتخب أيضًا؛ خاصة بعدما قال المنتخب السعودي إنه "بعد الاطلاع على آخر التطورات في استئناف الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات" وبعد التشاور مع المحامين السعوديين، قرر المدرب هيرفي رينارد استبعاد المولد من المشاركة في كأس العالم كـ"إجراء احترازي".
وفي العام 2018، كان المولد بطلًا للفتة إنسانية رائعة حازت الإعجاب والإشادة بوسائل التواصل الاجتماعي، بعدما تعامل بحنو ورقي بالغ مع الطفل عبدالرحمن حسام مطير، وهو مشجع من ذوي الاحتياجات الخاصة، واعدًا إياه بأن يتخذه وكيلًا لأعماله مستقبلًا؛ مما عاد على الطفل بسعادة غامرة وفرحة كبيرة.
وكشف والد الطفل البالغ من العمر 10 سنوات -آنذاك- تفاصيل اللقاء؛ مشيرًا إلى أن ابنه عبدالرحمن يعاني ضمورًا في العضلات والأعصاب الطرفية، وأنه أثناء وجوده بإحدى مباريات الاتحاد، صادف لاعبه المفضل فهد المولد الذي بادره بهذا الوعد والتعامل الإنساني الراقي، تاركًا أثرًا نفسيًّا إيجابيًّا لدى ابنه، وسعادة غامرة.