تكرّر شنُّ إيران للهجمات الإلكترونية على كثير من الدول في قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، مستهدفة بهجماتها الخبيثة قطاعات: الدفاع، والنفط والغاز الطبيعي، والبنية التحتية، وشركات الاتصالات. وكانت ألبانيا آخر الدول التي تعرضت لهجمات إيرانية استهدفت مؤسسات حكومية؛ مما دفع ألبانيا إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية بإيران، وطرد بعثتها الدبلوماسية أوائل شهر سبتمبر الماضي.
ودفع استفحال خطورة الهجمات الإيرانية عبر العالم، والتقدم الذي أحرزته في مجال الحروب السيبرانية، العديد من مراكز الأبحاث في العالم إلى دراسة قدراتها، والخطورة التي باتت تمثلها إيران على أمن الدول؛ ومنها المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، الذي أصدر دراسة حملت عنوان "مجاميع القرصنة والميليشيات الرقمية الإيرانية" للباحث حسن الرزو، الذي بيّن أن "خطورة الحروب المعلوماتية تكمن في كونها غير معلنة، وتحصل دون سابق إنذار، ولا يمكن التنبؤ بتوقيتات بداياتها، وأنها تتغلغل من خلال ثغرات وفجوات رقمية لا تستشعر الضحية وجودها إلا بعد حصولها، أو قد يستمرّ تأثيرها لمدة طويلة قبل أن تستشعر حصولها.
ويلفت "الرزو" الانتباه إلى "تطور قدرات قراصنة المعلومات الإيرانيين، بجميع تشكيلاتهم وفصائلهم؛ إذ صارت لدى الإدارة العليا التي تدير دفة أنشطتهم خطط أعدت بعناية لشن سلسلة حملات رقمية واسعة النطاق على الدول الخليجية، مثل: السعودية والإمارات ودول خليجية أخرى، كما أضحى لديهم وكلاء رقميون في سوريا ولبنان واليمن يأتمرون بأوامرهم، وينفذون مخططاتهم السياسية والعسكرية في عموم المنطقة"، وهو ما يتطابق مع تحذير لوكالات الأمن وإنفاذ القانون الأمريكية، في فبراير الماضي، أفاد بأنها رصدت جهات إيرانية منها مجموعة تدعى "مادي ووتر" تشن هجمات خبيثة على عدة دول في العالم.
وتعتمد إيران على بنية مؤسسية في شن الهجمات الإلكترونية والدفاع عن نفسها، وتنقسم هذه البنية طبقًا للباحث إلى قسمين: الأول تنهض به المؤسسات الملتحقة في سلك الحكومة، ومهمتها الأساسية الدفاع عن الفضاء الرقمي الإيراني، والثاني يعمل خارج الحدود الجغرافية لإيران، ويضم مجاميع من الميليشيات والفصائل الرقمية والقراصنة، ومتطوعين من مؤسسات أكاديمية وبحثية، تحت رئاسة الحرس الثوري الإيراني، وتشكل ما يعرف بـ"جيش فضاء إيران الإلكتروني"، الذي تحول إلى الذراع الرقمية للنظام الإيراني في استهداف الدول الأخرى وهز استقرارها.
وحول خطورة إيران في مجال الحروب السيبرانية، بيّن مدير وحدة الرصد والترجمة في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية عبدالعزيز المزيني، أن إيران وصلت إلى مرحلة متقدمة في المجال السيبراني، وقد تورطت في كثير من الهجمات عبر العالم، وهو ما يشير إلى أنها أصبحت تملك من القدرات ما يكفي للإضرار بالدول الأخرى، مشيرًا إلى أن الحروب السيبرانية أصبحت أداة الصدامات بين القوى المختلفة خلال السنوات الأخيرة، ويعود الاعتماد الواسع عليها إلى قلة تكلفتها المادية والبشرية مقارنة بالحروب التقليدية.