تُمثّل قمة جدة اليوم، وما تبعها من بيان نهائي، خارطة طريق للعمل بين الأشقاء العرب الذين اجتمعوا، اليوم، في المدينة الساحلية التي أصبحت بيتاً عربياً دافئاً تحل داخله الصراعات والاختلافات التي كان آخرها اجتماع الفرقاء السودانيين وقيادة السعودية، وما شهده الاجتماع من دور إنساني ودبلوماسي لضمان سلامة المواطن السوداني.
وعكست كلمة ولي العهد -حفظه الله- في القمة سياسة المملكة التي تنتهجها في تعاملاتها مع القضايا المقلقة التي تهدد الاستقرار، ورعايتها مصالح وقضايا الأمة العربية والإسلامية، التي يأتي أولها قضية فلسطين وحقهم في العيش بسلام، كذلك رؤية سموه للوطن العربي بصفته مهداً للحضارات وما يحتضنه من ثقافات وتنوع وموارد طبيعية وبشرية قادرة على بناء أوطان عمادها وجوهر رقيها الإنسان.
وتؤمن السعودية دوماً بالحل السياسي، وتغليب الحكمة والمنطق وتسعى لحقن الدماء وحفظ السلم الدولي، وهو مبدأ ثابت لا تحيد عنه؛ لذلك أعادت العلاقة مع إيران لتطوي صفحة طويلة ومعقّدة من النزاعات.
وكان الحل السياسي هو المخرج الوحيد للأزمة السورية، وفرضت روابط الأخوة عودة العلاقة الدبلوماسية حتى تدعم كذلك جهود تطوير العمل العربي المشترك، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
أيضاً جاءت عودة الشراكة تفاعلاً مع القرار الصادر عن اجتماع وزراء خارجية الدول العربية حول عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية، وقررت المملكة استئناف عمل بعثتها الدبلوماسية في الجمهورية العربية السورية.
لم تخرج "قمة جدة" عن المضامين المرسومة للقمم السابقة التي عقدتها المملكة مؤخراً، فالأمن والإنسان والاقتصاد ملفات مهمة تضطلع بها المملكة اليوم، وتسعى لتنميتها وعضدها بتحركات واقعية تخفف من التوتر وتعالج ما يعطل النهضة العربية في أوطان عانت لسنوات من انقسامات وتدخلات مزقت الكثير منه.
فجهود المملكة في تعزيز الأمن والاستقرار العربي والإقليمي واضحة في جميع رسائلها وتحمل هذا الهم في المحافل الدولية لذلك سعت لإيقاف النزاع "السوداني -السوداني"، حتى لا يتحول الجار العربي الذي يرتبط بها لساحة وميدان لحروب أهلية المستفيد فيها خاسر، وحفظ سيادته حتى لا يتحوّل لصيد سهل للدول والقوى الخارجية الطامعة بموارده، وتجنيبه مآلات الصراع الحالي، وحرصاً على تثبيت الهدنة وتسهيل الأعمال الإنسانية، وصولاً إلى بناء الثقة بين الجانبين.