"قبسات بلاغية" تستعرض الإعجاز اللغوي للتكرار في القرآن الكريم

في حلقة "سبق" الرمضانية مع دكتور البلاغة والأدب زيد الخريصي
"قبسات بلاغية" تستعرض الإعجاز اللغوي للتكرار في القرآن الكريم

للقرآن الكريم خصائص كثيرة، ومتنوعة وعظيمة، ولها دلالات مختلفة، ولعل التعبيرية منها أكثر بلاغة من التعبيرات الأخرى، وتُعدّ ظاهرة "التكرار" إحدى الظواهر التي أخذت حيّزًا كبيرًا من أوقات العلماء والباحثين، وتحمِل أهميةً قصوى في طياتها.

"سبق"، وفي الحلقة الرمضانية "التاسعة" من "قبسات بلاغية"، خصّصت الحديث عن بعض من بلاغة التكرار في القرآن الكريم، وتستضيف فيها وبشكلٍ يوميٍّ طوال شهر رمضان المبارك، دكتور البلاغة والأدب "زيد بن فرج الخريصي".

التكرار.. ألفاظه ونظمه

وقال "الخريصي": "من خصائص النظم القُرْآني المتعلقة بجانب اللفظ: "التكرار" في ألفاظه ونظمه، وهو مذهب من مذاهب العرب في كلامها كانت تذهب إليه لأغراض شتى، وله صور كثيرة؛ منها: تكرار الأداة، وتكرار الحرف، وتكرار الكلمة، وتكرار الجملة، وتكرار الآية، وتكرار القصة، وغيرها من الصور التي جاءت لأغراض فرضها المقام".

تكرار الحرف

وأضاف: "حديثنا اليوم عن "تكرار الحرف"، الذي تنوّعت مواطنه في القرآن الكريم في الآية الواحدة، وما تكرر شيء إلا وأتى بعائدة جديدة؛ إذ إن الأمر لا يتعلّق بمجرد الإعادة، وإنما هو زيادة تؤسّس لنمو المعنى في نفس المخاطب؛ لأن زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى".

فحينما نقرأ في سورة الأعراف قوله تعالى: "فَوَسوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيطَـٰنُ لِیُبدِیَ لَهُمَا مَا وُۥرِیَ عَنهُمَا مِن سَوءَ ⁠ تِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَن هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّاۤ أَن تَكُونَا مَلَكَینِ أَو تَكُونَا مِنَ ٱلخَـٰلِدِینَ ۝٢٠" "الأعراف: 20"، يشدنا مطلع الآية وما فيها من تكرار في لفظة: "وَسوَسَ" في حرفي "الواو/ السين" في دلالة واضحة على تكرار هذا العمل من الشيطان المرة تلو المرة، يقول محيي الدين درويش: "اللفظ "وسوس" تجسيد حي وتصوير بليغ لدأب إبليس على الإغواء، وإجهاده نفسه لحملها على أن تزلّ بهما القدم، ويرتطما في مزالق الشر، فهو يوسوس إليهما المرة بعد المرة، ومن ذلك قولهم: خشن واخشوشن، لا تفيد خشن ما تفيد كلمة اخشوشن؛ لما فيها من تكرير الحروف، وقل مثل هذا في أعشب المكان واعشوشب، فكأنهم لما رأوا كثرة العشب قالوا: اعشوشب".

الألفاظ الاهتزازية

وواصل "الخريصي": "يمكن أن نسمي هذه الألفاظ، التي تحتوي على حروف مكررة بـ"الألفاظ الاهتزازية"؛ لأنها تشعرك بشدتها، وقوتها، واهتزازها، بما فيها من تكرار للحروف؛ لبيان أحداث في غاية الأهمية".

فحينما نقرأ في سورة الشعراء قوله تعالى: "فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ" "الشعراء: 94"، هذا التكرار الحرفي في قوله: "فَكُبْكِبُوا" في حرفي "الكاف/ الباء"، أحدث هزةً في نفس المخاطب؛ لأن معنى "الكبكبة": تساقط الشيء في هوة بتدهور، قال صاحب الكشاف: "الكبكبة: تكرير الكبّ، جعل التكرير في اللفظ دليلًا على التكرير في المعنى، كأنه إذا ألقي في جهنم ينكب مرة بعد مرة حتى يستقرّ في قعرها"، فانظر إلى عظيم الموقف، وكيف صوره هذا اللفظ بما فيه من تكرار.

التكرار في صورتين

وختم حديثه: حين نقرأ في سورة الزلزلة قوله تعالى: "إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا" "الزلزلة :1"، نجد أن التكرار جاء في صورتين؛ تكرار في الحرف، وتكرار في اللفظ، إشارة واضحة إلى عظيم هذا الموقف، يقول ابن عاشور: "الزلزلة: على وزن فعللة، هذا البناء في كلام العرب يدلّ على حركة واضطراب، ومنه قولهم: قلقلة، وقولهم: رجرجة، وقولهم: بلبلة، ونحو ذلك، ومعنى قوله: "إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ"؛ أي: حركت حركة عنيفة"، ولولا مجيء هذا التكرار بنوعيه لَما استطعنا أن نجزم بهول هذا المشهد.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org