منذ أكثر من قرن من الزمان، والقيادة تولي اهتمامًا بالغًا بقطاع الدفاع، بالوسائل المتاحة والبسيطة -آنذاك- من الهجانة والوحدات العسكرية والشرطة، وصولًا إلى أحدث الوسائل والعتاد المتطور على مستوى العالم؛ مؤمّنة بذلك حدود البلاد؛ مما أضفى عليها الأمن والأمان بجهود رجال مخلصين وقادة محنكين أوفياء.
فمنذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- الذي أدرك أهمية مجاراة الجيوش في التقنية والتسليح، بدأ العمل بتطبيق التنظيمات العسكرية الجديدة -آنذاك- وإلغاء تشكيلات "فِرَق الإخوان"، وإلحاق بعضها بالوحدات العسكرية وبالشرطة؛ حيث تكونت من بعضها الهجانة التي تشكلت كقطاع عسكري في 1344هـ، كنواة وخطوة أولى في تأسيس قوة عسكرية للمملكة.
ومن مبدأ توسع وتسليح الجيش، أمر الملك عبدالعزيز في عام 1348هـ/ 1929م، بإحداث إدارة للأمور العسكرية، وطلب منها وضع أسس لجيش قوي مبني على العقيدة الإسلامية؛ حيث قامت بأعمال تنظيمية تضمنت إنشاء الأقسام والشعب، وتنظيم الوحدات العسكرية كوحدة الرشاش، ووحدات المشاة، ووحدات المدفعية.
وتماشيًا مع متطلبات التوسع والتحديث، رأى القائد الأعلى الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أن المرحلة القادمة في ذلك الحين تحتاج إلى جهاز أكبر من إدارة الأمور العسكرية؛ للاضطلاع بمسؤوليات الجيش توسعًا، وتسليحًا، وتحديثًا، وتنظيمًا، فأصدر أمره في عام 1353هـ/ 1934م، بإحداث وكالة للدفاع إلى جانب إدارة الأمور العسكرية، وأسند أمرها إلى وزير المالية -آنذاك- الشيخ عبدالله بن سليمان.
وشرعت الوكالة بخطوات واسعة لمزيد من التنظيم والتوسع في التشكيلات، فأوجدت الشعب الأربع التي تتفق مع مفهوم الهيئات إلى جانب الأسلحة الثلاثة: المشاة، والرشاش، والمدفعية، ولاحقًا سلاح الفرسان، إلى جانب المفارز الموزعة في مدن وثغور كمفرزة جدة، والمدينة المنورة، وأبها، والطائف، وضباء، وينبع، وتبوك، والعلا، والوجه، ومكة المكرمة.
ولأن العين الواعية في قيادة الدولة تتجاوب مع متطلبات التحديث للوصول بالجيش إلى الأفضل؛ أصدر أمرًا بإحداث رئاسة أركان الجيش لتحل بدلًا عن إدارة الأمور العسكرية؛ وذلك في عام 1358هـ، وتسمية محمد طارق الإفريقي رئيسًا لها؛ ليكون أول رئيس للأركان في الجيش السعودي؛ حيث قامت الرئاسة بالأعمال المنوطة بإدارة الأمور العسكرية، قبل أن يصدر أمر في عام 1379هـ بإعادة تشكيلها وتعيين اللواء إبراهيم الطاسان رئيسًا لأركان حرب الجيش.
وفي أقل من 20 عامًا من بداية هذه المسيرة، أصبحت للبلاد وزارة معنية بالدفاع ومفتشية عامة؛ وذلك تحديدًا في عام 1363هـ الذي كان عامًا استثنائيًّا في مسيرة البناء والتطوير للجيش السعودي التي كان يقودها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- فبعد أن زاد عدد أفراد الجيش، وتطورت أسلحته، وتشعبت تنظيماته، أصدر مرسومًا ملكيًّا يقضي بإلغاء وكالة الدفاع، وإنشاء وزارة للدفاع والمفتشية العامة، وتعيين صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن عبدالعزيز -رحمه الله- وزيرًا للدفاع ومفتشًا عامًّا؛ حيث بدأت في عهده النهضة العسكرية في الجيش السعودي لبناء جيش قوي وفق أحدث الأساليب التنظيمية والقتالية.
وبدأ سمو وزير الدفاع والمفتش العام في تنظيم هياكل الوزارة، وإحياء رئاسة الأركان، وتشكيل جهاز المفتشية العامة، بالإضافة إلى ابتعاث الشباب السعوديين إلى الخارج؛ لتلقّي الدراسات العسكرية، إلى جانب إدخال أنواع جديدة من الأسلحة كالمصفحات، ووسائل الاتصال اللاسلكي، وشرع في بناء الثكنات والمعسكرات والمستودعات والورش العسكرية.
وبعد وفاة سمو الأمير منصور بن عبدالعزيز رحمه الله، عيّن صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز -رحمه الله- خلفًا له؛ وذلك في عام 1370هـ؛ حيث اكتمل مشروع المصانع الحربية، وتشكلت مناطق عسكرية جديدة، وأنشئ مستشفيان عسكريان، بالإضافة إلى زيادة مستوى تطور القوات العسكرية.
ونظرًا لما جرى من توسع في مجالات الطيران التي تعنى بها الوزارة وبحكم تبعية مديرية الطيران المدني آنذاك، صدر في 1371هـ/ 1952هـ أمر بتعديل مسمى وزارة الدفاع والمفتشية العامة إلى وزارة الدفاع والطيران والمفتشية العامة؛ حيث تولى صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- الوزارة في عام 1376هـ، ثم تولاها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- وذلك في عام 1380هـ.
عهد ذهبي شهدته القوات المسلحة بعد تعيين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- في عام 1382هـ، وزيرًا للدفاع والطيران ومفتشًا عامًّا؛ وذلك بتطور رئاسة الأركان العامة وإعادة تنظيمها وإحداث قيادة جديدة للقوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي وقوة الصواريخ الاستراتيجية، مع إعطائها ميزانيات مستقلة؛ لضمان استمرار تقدمها، ولإعطائها المرونة في تنفيذ خططها.
"وزارة الدفاع"، الاسم الحالي للوزارة؛ جاء بأمر ملكي في عام 1432هـ/2011م، أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- قضى بتعديل اسم وزارة الدفاع والطيران والمفتشية العامة؛ ليصبح وزارة الدفاع، وتعيين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وزيرًا للدفاع آنذاك.
وفي عام 1436هـ/2015م، عُيّن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- وزيرًا للدفاع آنذاك؛ حيث وضع من ضمن أولوياته تطوير الوزارة، وتحديد توجه استراتيجي شامل لها؛ ليصبح تنظيمًا يمكنه أن يساند الأهداف الوطنية للمملكة على أفضل وجه.
وكانت المرحلة الأولى من ذلك تأسيس برنامج تطوير وزارة الدفاع، وتكليفه للقيام بتقييم شامل للوزارة؛ بهدف تحديد التحديات والفجوات الرئيسية التي تواجهها، والمجالات الرئيسية التي ينبغي بناؤها، وتلك التي يتطلب الأمر تحسينها، باستخدام أسلوب قوي وفعال؛ حيث أنجز البرنامج التقييم الشامل بمساندة خبرات عالمية ومحلية، وتمت مقارنة أداء الوزارة بأفضل الممارسات الإقليمية والعالمية.
وقد اعتمد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود القائد الأعلى لكل القوات العسكرية -أيده الله- في 10 جمادى الآخرة 1439هـ الموافق 26 فبراير 2018م، وثيقة تطوير وزارة الدفاع المشتملة على رؤية واستراتيجية جديدة، ونموذج تشغيلي مستهدف للتطوير، وهيكل تنظيمي، وحوكمة ومتطلبات للموارد البشرية أعدت على ضوء استراتيجية الدفاع الوطني.
ومنذ بدء أولى خطوات وزارة الدفاع في تحولها المؤسسي وبرنامج تطويرها الطموح؛ حققت الوزارة عددًا من المنجزات، وأطلقت كثيرًا من المشروعات والمبادرات، وشهدت تغييرات إيجابية كبيرة على مستوى كفاءة الإنفاق والتخطيط والاستراتيجية، وتكامل القوات والمنظومات، مع تقدم ملحوظ في بناء النموذج التشغيلي المعتمد للوزارة.
وبعد مضيّ قرن من الزمان شَمِلَ خطوات وقرارات جعلت القوات المسلحة في مصافّ أوائل القوات المسلحة في العالم، وفي غرة ربيع الأول من العام 1444هـ الموافق 27 سبتمبر 2022م، صدر أمر ملكي بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز، وزيرًا للدفاع، ليواصل سموه النهج والمسار الذي رسمه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، ويستكمل مسيرة النماء والتطوير والتحديث.
وتستعرض وزارة الدفاع، إرثها وتحولاتها التاريخية من خلال مشاركتها في النسخة الثانية من معرض الدفاع العالمي 2024، الذي تنظمه الهيئة العامة للصناعات العسكرية في الفترة 4- 8 فبراير المقبل في مركز المعارض والمؤتمرات في ملهم.