عزيزي المواطن .. هل مارست الفساد يوماً؟!
أظهر المواطن بصورةٍ واضحةٍ كلَّ الدعم والتأييد للحملة ضدّ الفساد المنظّم، التي تهدف إلى الحفاظ على أموال الدولة، واسترداد ما تمّت سرقته منها بصورٍ متعدّدة ومختلفة، ومنع تكرار هذه الجرائم في حق الوطن.
ولكني ما زلت أرى أن للفساد صوراً متعدّدة، وهذا الذي تحاربه الدولة بأجهزتها الرسمية هو أحدُها، وهو الظاهرُ منها، والقائمة تطول، إذا ما ذهبنا نعدّد مظاهر الفساد ولاسيما المستتر منه.
مع الأسف الشديد، أن بعض أنواع الفساد يمارسه المواطن العادي؛ بل نمارسه يومياً، دون شعورٍ وإدراكٍ في بعض الأحيان، وأحياناً بدافع التساهل وعدم تقديرٍ للمسؤولية الذاتية في مواجهة الفساد.
خذ على ذلك مثالاً قريباً، وهو ظاهرة الإسراف في الطعام؛ حيث نهدر يومياً ثمانية ملايين وجبة طعام، وفق رسوم توضيحية نشرتها جمعية "خيرات" الناشطة في مجال محاربة ظاهرة الإسراف في الطعام.
وربما يأخذنا العجب حينما نعلم أن حجم كمية الطعام المهدر للفرد الواحد في المملكة يقدّر بـ 250 كيلو جراماً، وهو الأعلى عالمياً، كما أن 90 في المئة من الأكل في الحفلات لا يُستفاد منه!
إن فاتورة الاستيراد في المملكة مرتفعة للغاية، وربما الجزء الأكبر منها يذهب إلى توفير واستيراد الاحتياجات الغذائية للمواطن، ثم نرى هذه الحجم المفزع من الهدر اليومي، الذي لا نجد له نظيراً على المستوى العالمي!
خذ مثالًا آخر على الهدر الذي نمارسه يومياً دون شعورٍ منا بما يشكله من عبءٍ ضخمٍ على ميزانية البلاد، وهو يعد كذلك من صور الفساد المستتر الذي يتم في صمتٍ تام دون وخزٍ للضمير أو شعورٍ بالمسؤولية!
ففي مؤسساتنا الحكومية، كم أتلفنا من مواردها، أو تمّ استغلالها في أغراض خاصّة، لا تمت للعمل الذي نمارسه بصلة، وكم تركنا المصابيح وأجهزة التكييف موقدة، إلى آخر القائمة الطويلة من الإهمال الوظيفي، الذي هو أحد أنواع الفساد وأخطرها.
وكي نقرّب الصورة، فإننا نجد - على سبيل المثال لا الحصر -، وزارة الصحة وهي تتوعّد بمعاقبة كثير من كوادرها الطبية والصحية غير الملتزمة، بسبب الإهمال في أداء المهام الوظيفية.
وأوضح مسؤولون بالوزارة أن عدداً من الكوادر الطبية والصحية، خاصة من العاملين في خدمة المرضى والمراجعين يتجاهل التعليمات، ويمارس الإهمال الوظيفي عن عمد؛ الذي يتمثل في التغيُّب عن العمل والانصراف قبل انتهاء الدوام، خلال ساعات العمل الرسمية!
إن محاربة الفساد مسؤولية جماعية في المقام الأول، وإن كانت أجهزة الدولة الرسمية قد أخذت على عاتقها مهمة التصدّي للكبار, من خلال المنظومة القانونية، فإننا بوازع الوطنية يجب أن نحارب نوازع الفساد المتسربلة في ضمائرنا.