رفع وزير المالية محمد بن عبدالله الجدعان الشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع – حفظهما الله -؛ بمناسبة إقرار الميزانية العامة للدولة، مشيرًا إلى أن السياسات والإجراءات الواقعية والمسؤولة التي اتخذتها الحكومة في التعامل مع جائحة فيروس كورونا (كوفيد -19) حدَّت من التداعيات الإنسانية والمالية والاقتصادية من خلال تقديم دعم قوي للقطاعَيْن الصحي والخاص، مع الحفاظ على الاستدامة المالية للمديَيْن المتوسط والطويل، وأن تلك السياسات انعكست إيجابًا على التعافي التدريجي للاقتصاد المحلي، الذي شهد نموًّا متسارعًا في عدد من الأنشطة الاقتصادية.
وتفصيلاً، جاء ذلك خلال المؤتمر الصحفي الدوري للتواصل الحكومي، الذي استضاف وزير المالية بمناسبة إقرار ميزانية الدولة للعام المالي 1443 - 1444هـ (2022م)، مبينا أن الميزانية تؤكد حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين على الـمُضي قُدمًا نحو تعزيز النمو الاقتصادي في مرحلة ما بعد الجائحة، وتسخير الموارد المالية للإنفاق على الصحة والتعليم، وتطوير الخدمات الأساسية، إضافة إلى استمرار الدعم والإعانات الاجتماعية. مبينًا أن الميزانية تأتي استمرارًا لمسيرة الإصلاحات الداعمة لتطوير إدارة المالية العامة، مع التزام الحكومة بالمحافظة على أسقف الإنفاق المعلنة سابقًا، بما يضمن استدامة مالية على المدى المتوسط، ومركزًا ماليًّا قويًّا، يُمكِّن الدولة من مواجهة أي متغيرات طارئة، وامتصاص الصدمات الاقتصادية غير المتوقعة.
ولفت إلى أن تقديرات الميزانية لعام 2022م تُظهر أن إجمالي الإيرادات سيبلغ 1045 مليار ريال، بارتفاع نسبته 12.4 % عن المتوقع تحقيقه في عام 2021م، فيما يُقدَّر إجمالي النفقات بنحو 955 مليار ريال، في حين يُتوقَّع تحقيق فوائض بنحو 90 مليار ريال (أي ما نسبته 2.5 % من الناتج المحلي الإجمالي). مبينًا أن هذه الفوائض سيتم توجيهها لتعزيز الاحتياطيات الحكومية، ودعم الصناديق التنموية وصندوق الاستثمارات العامة، والنظر في إمكانية التعجيل في تنفيذ بعض البرامج والمشاريع الاستراتيجية ذات البُعد الاقتصادي والاجتماعي، أو سداد جزء من الدَّين العام حسب ظروف السوق.
وفيما يتعلق بالدَّين العام أوضح أنه من المتوقع تحسُّن مؤشراته في عام 2022م؛ لتنخفض إلى نحو 25.9 % من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 29.2 % في عام 2021م نتيجة التوقعات بتحقيق فوائض في الميزانية، وكذلك نمو الناتج المحلي، على أن يتم الاقتراض لسداد أصل الدين الذي يحل أجل سداده مستقبلاً، أو لاستغلال الفرص المواتية في السوق لدعم الاحتياطيات، أو تمويل مشاريع رأسمالية، يمكن تسريع إنجازها من خلال الإصدارات السنوية. لافتًا إلى أن نسبة الدَّين من الناتج المحلي الإجمالي من المتوقع أن تظل عند مستويات مناسبة في عام 2024م؛ لتصل إلى 25.4 %، وأن الحكومة تعمل على تطوير إطار إدارة المخاطـر الذي يهدف إلى متابعـة ورصـد أبـرز التطـورات فــي الاقتصــاد المحلــي والعالمــي؛ لتحديــد المخاطــر الناتجــة منها؛ ومن ثم تقييم الآثار المترتبـة عليها.
وبيَّن أن الحكومة تسعى في عام 2022م، وعلى المدى المتوسط، لدعم استمرار التعافي في النشاط الاقتصادي، مع الحفاظ على المبادرات التي تم البدء في تنفيذها خلال الأعوام الماضية، والالتزام بتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030م من خلال تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، وتنويع الاقتصاد، وتنمية الإيرادات غير النفطية، وضمان استدامتها. مشيرًا إلى التقدم المحرز خلال الفترة الماضية في تنفيذ برامج تحقيق الرؤية والمشاريع الكبرى، وكذلك المشاريع الاستثمارية في مختلف القطاعات، بما فيها مشاريع البنية التحتية.
وأوضح وزير المالية أن اقتصاد السعودية يشهد تناميًا مستمرًّا في دور الممكنات الاقتصادية الداعمة للقطاع الخاص، وفي مقدمة تلك الممكنات المساهمة التنموية الفعالة من المشاريع والبرامج التي يقوم بها كل من صندوق الاستثمارات العامة، وصندوق التنمية الوطني، إضافة إلى التقدم في تنفيذ برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب)، والاستراتيجية الوطنية للاستثمار، وبرنامج شريك، وبرنامج تطوير القطاع المالي، والتخصيص. لافتًا إلى أن نجاح تلك الممكنات ينعكس إيجابيًّا على أداء المالية العامة من خلال تحفيز وتنويع النمو الاقتصادي؛ وبالتالي تحسُّن الإيرادات غير النفطية. كما يحد نجاح تلك الممكنات من الضغط على الإنفاق الحكومي، ولاسيما مع قيام القطاع الخاص بقيادة الاستثمار والتوظيف.
وأشار إلى النمو الملحوظ في مؤشرات أداء الأنشطة حتى نهاية الربع الثالث من عام 2021م، الذي يعكس استمرار حالة التعافي التدريجي التي صاحبتها سرعة ارتفاع نِسَب التحصين من فيروس (كوفيد-19)؛ وهو ما أسهم في تخفيف المزيد من الإجراءات الاحترازية المتبعة في السعودية. موضحًا أن التقديرات الأولية لعام 2021م تُظهر نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.9 % مدفوعًا بارتفاع الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي الذي من المتوقع أن يسجل نموًّا بنحو 4.8 %. كما تشير التوقعات لعام 2022م إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 7.4 % مدفوعًا بارتفاع الناتج المحلي الإجمالي النفطي المرتبط باتفاقية أوبك+، إضافة إلى التحسن المتوقع في الناتج المحلي غير النفطي مع استمرار تعافي الاقتصاد، وتنفيذ المشاريع والبرامج الداعمة للنمو والتنويع الاقتصادي.
وتناول وزير المالية الركائز الأساسية خلف الميزانية لهذا العام المتمثلة في ضمان استدامة المالية العامة من خلال تنويع مصادر الإيرادات، ورفع كفاءة الإنفاق، وتمكين القطاع الخاص من خلال برامج لتعزيز نشاطه ومساهمته في الاقتصاد الوطني، وتنفيذ تحولات هيكلية أوسع ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية.
وحول برنامج الاستدامة المالية قال وزير المالية: "إن المكاسب والتحول الجوهري خلال الفترة السابقة في أسلوب إدارة المالية العامة تطلَّبا الانتقال من مرحلة التوازن المالي إلى مرحلة تسعى للحفاظ على الاستدامة المالية من خلال أدوات تخطيط فاعلة، تستحضر متطلبات الإنفاق على مدى زمني أطول؛ بما يساعد في حماية هذا التخطيط، والقدرة على الإنفاق المخطط له على المدى المتوسط، وتقليل الربط بالعوامل الخارجية، بما في ذلك تقلبات أسواق النفط؛ حتى لا تتسبب في إرباك هذا التخطيط.
ولفت إلى أن البرنامج يُتوقَّع أن يحقق فوائد عديدة من الناحية الاقتصادية؛ إذ سيسهم في مواصلة تحقيق معدلات نمو مستقرة للاقتصاد غير النفطي، وتخفيف أثر تذبذبات أسعار الطاقة على الاقتصاد الوطني، إضافة إلى تعزيز قدرة القطاع الخاص على التخطيط للاستثمارات بوضوح. وعلى جانب المالية العامة سيسهم في تعزيز فاعلية التخطيط المالي، ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي، واستغلال فوائض الميزانية في تعزيز الاحتياطيات المالية، أو توجيهها لإنفاق استثماري يضمن تنويع الاقتصاد، ويحقق مستهدفات النمو الاقتصادي المستدام على المديين المتوسط والطويل.
وبيَّن أن ميزانية عام 2022 تأتي نتيجة للتخطيط والعمل التشاركي بين الأجهزة الحكومية كافة؛ إذ بذلت الجهود وسخرت الإمكانات وحشدت الطاقات في إعداد هذه الميزانية بصورة ملائمة، تحقق من خلالها مستهدفاتها الاستراتيجية؛ حتى تخرج بمنتهى الشفافية والوضوح انطلاقًا من التزام الحكومة المباشر فيما يخص الأوضاع المالية والاقتصادية، من خلال إصدار التقارير المرتبطة بالميزانية، مثل تقارير الأداء: ربع السنوي، ونصف السنوي، والسنوي، والبيان التمهيدي، إضافة إلى بيان الميزانية ونسخة المواطن؛ وذلك تماشيًا مع رؤية السعودية 2030.
وأكد وزير المالية أن حكومة خادم الحرمين الشريفين قامت بجهود كبيرة للتعامل مع تداعيات جائحة كورونا المستجد "كوفيد - 19"؛ وهو ما حدَّ بشكل كبير من ارتفاع نسبة البطالة لموظفي القطاع الخاص، والحد من خروجهم من أعمالهم. مفيدًا بأن الجهود أسهمت في عودة النشاط الاقتصادي خلال العام الحالي؛ وبذلك انخفض معدل البطالة إلى 11.3 %. متناولاً دعم النمو الاقتصادي والقطاع الخاص، واستراتيجية الاستثمار، التي تهدف إلى زيادة المصانع والمحال والمنشآت والخدمات، وفتح فرص وظيفية للمواطنين في السعودية للوصول لمعدل بطالة 7 % في عام 2030.