

في وقت يشهد فيه المشهد اليمني تداخلًا معقدًا بين المسارات السياسية والعسكرية، تبرز المملكة العربية السعودية بوصفها الفاعل الإقليمي الأكثر تمسكًا بخيار الدولة، والأحرص على منع انزلاق اليمن إلى مزيد من التفكك والصراعات الداخلية التي تهدد أمنه وأمن المنطقة.
وتنطلق المقاربة السعودية من رؤية استراتيجية بعيدة المدى، تقوم على نقل اليمن من مرحلة إدارة الصراع إلى مرحلة بناء السلام، ومن منطق السلاح إلى منطق المؤسسات، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن أي تفاهمات خارج إطار الدولة لن تُنتج سوى أزمات مؤجلة تعيد البلاد إلى مربع الفوضى.
وتؤكد المملكة دعمها المتواصل لرئيس مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية، باعتبارهما المظلة الدستورية الجامعة، والضامن لوحدة القرار السياسي والعسكري. ولا يقتصر هذا الدعم على الجانب السياسي فحسب، بل يمتد ليشمل مسارات اقتصادية وتنموية وإنسانية تهدف إلى تخفيف الأزمة المعيشية، والحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الاجتماعي في ظل ظروف الحرب المستمرة.
في المقابل، تُعد العمليات العسكرية التي تُنفذ خارج إطار الدولة ودون موافقة مجلس القيادة الرئاسي تهديدًا مباشرًا لهذا المسار، لما تنطوي عليه من مخاطر إعادة إنتاج مراكز قوى موازية، تقوض جهود إعادة بناء مؤسسات الدولة، وتفتح الباب لصراعات داخلية تُغذي الانقسام، وتبدد فرص التسوية الشاملة.
وانطلاقًا من هذا، كثفت المملكة اتصالاتها مع مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك الجانب الإماراتي والمجلس الانتقالي الجنوبي، بهدف احتواء التصعيد، وإعادة ضبط المشهد بما يتوافق مع مقتضيات المرحلة، ويضمن بقاء المسار في اتجاهه الصحيح نحو استعادة الدولة. وتؤكد هذه الجهود أن السعودية تتعامل مع الأزمة اليمنية من خلال مقاربة متوازنة تعالج جذور الخلل، لا مجرد تداعياته.
ويبرز ملف محافظتي حضرموت والمهرة كاختبار حقيقي لجدية الالتزام بخيار الدولة، إذ ترى المملكة أن إخراج التشكيلات المسلحة غير النظامية من المعسكرات التي سيطرت عليها، وتسليمها لقوات "درع الوطن" والسلطات المحلية، خطوة ضرورية لتعزيز الأمن ومنع تحويل هذه المناطق إلى ساحات صراع أو أدوات ضغط سياسي.
في المحصلة، تعكس السياسة السعودية في اليمن إيمانًا عميقًا بأن الاستقرار لا يتحقق بفرض الأمر الواقع، بل بترسيخ مؤسسات الدولة، وتوحيد القرار، ودعم مسار سياسي جامع يضع مصلحة اليمن وشعبه فوق الحسابات الإقليمية والتجاذبات.