تشهد صفحات التاريخ بوجود علاقات قوية وراسخة ومتطورة بين المملكة وفرنسا، أوجدتها رغبة قيادة البلدين في تعزيز الشراكة والتعاون والتكامل بينهم، بما ينعكس إيجاباً على حياة الشعبين الصديقين.
وتعتبر زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى باريس، محطة مهمة في العلاقات السعودية- الفرنسية المبنية على المصالح المشتركة والصداقة التاريخية بين البلدين.
وتعد فرنسا من أوائل الدول التي أعلنت اعترافها بالمملكة، بعد إعلان تأسيسها عام 1926، ومعه كسبت الدولة الناشئة وفي ظل ظروف بالغة الصعوبة عالميًا في مختلف المجالات، وهي دولة لها ثقلها العالمي سياسياً، ونافذة ثقافية مؤثرة، حيث كانت باريس محطة للسياسيين، وقبلة للسائحين، ومنارة للمثقفين.
تنسيق المواقف
وتسعى الرياض وباريس، خلال الزيارة، إلى تنسيق المواقف بينها حيال مستجدات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط ودول الساحل الأفريقية، وسيكون للملف الإيراني نصيبه الوافر من البحث والتحليل، لاسيما سلوك إيران المزعزع لأمن واستقرار المنطقة، بسبب رغبة قادة طهران الحصول على أسلحة نووية، وتأثير ذلك على مستجدات الأحداث الإقليمية والدولية.
وتبدو وجهات النظر في البلدين تجاه الملف الإيراني متطابقة، إذ ترى المملكة وفرنسا في "النووي الإيراني" أزمة كبرى، تهدد الأمن والسلم الدوليين، وينبغي على قادة طهران التخلي عن حلم الحصول على أسلحة الدمار الشامل، وزادت باريس في رؤيتها، بإيمان واقتناع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن استبعاد المملكة من مفاوضات الاتفاق النووي لإيران في العام 2015 كان خطأً جسيماً بحق المملكة وأمنها والأمن الإقليمي، وهو ما أعلنه في أكثر من مناسبة، ودعا في الوقت نفسه، إلى دعم الجهود والمبادرات التي تهدف لتعزيز الاستقرار الإقليمي والحيلولة دون حصول إيران على سلاح نووي.
ثقل المملكة
وتدرك فرنسا جيداً ثقل المملكة في منطقة الشرق الأوسط والعالم دينياً واقتصادياً، وما تتمتع به من إمكانات بشرية وفنية وقدرة مالية عالية، ورؤية 2030 الطموحة القادرة على إعادة كتابة التاريخ السعودي من جديد.
ومن هنا، تحرص باريس على تعزيز الشراكة مع الرياض، وتعتبرها "حليفاً وثيقاً"، يمكن أن تلعب دوراً رئيساً في الحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي واستقرار المنطقة؛ لذا تعمل القيادة الفرنسية على التشاور مع القيادة في المملكة في شأن القضايا والأزمات الراهنة وسبل معالجتها.
وتاريخياً، رأت فرنسا أن جهود الملك عبد العزيز آل سعود لتوحيد الجزيرة العربية لا تمثل حدثًا محليًا فحسب، وإنما تشير إلى وجود قوة سياسية عازمة على تلمس طريقها نحو توحيد معظم المناطق في الجزيرة العربية، لذلك سارعت للاتصال به، وعقد معاهدات واتفاقات معه، كما راجعت أهدافها في المشرق العربي، ووضعت خططًا استراتيجية جديدة لسياسة فرنسية جديدة خاصة في الجزيرة العربية.
الدولة السعودية
وتعد زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز إلى فرنسا عام 1967، تطورًا في العلاقة بين البلدين، حيث بحث الملك فيصل مع الرئيس شارل ديغول دعم هذه العلاقة وتعزيزها لتشمل مجالات أرحب بما يحقق المصالح المشتركة، كما قام حكام الدولة السعودية بزيارة إلى فرنسا وبادلهم الرؤساء الفرنسيون الزيارة ذاتها.
وارتبط البلدان بعلاقات اقتصادية وثقافية، حيث تمثل فرنسا المستثمر الثالث في السعودية.
ونظم البلدان معارض متبادلة، حيث افتتح الملك سلمان بن عبد العزيز عندما كان أميرًا للرياض معرض "المملكة بين الأمس واليوم" في عام 1986.