تحتفي دول العالم -ومن ضمنها المملكة- باليوم العالمي للقهوة، الذي يصادف الأول من شهر أكتوبر كل عام؛ بهدف تشجيع وزيادة الوعي ودعم المهتمين والمزارعين؛ خاصة فيما يتعلق بالجودة والشغف المصاحب لهذا المشروب؛ حيث كان أول تاريخ رسمي لهذا اليوم وافقت عليه المنظمة الدولية للقهوة "ICO" هو: 1 أكتوبر 2015م، وتعد القهوة أكثر مشروب استهلاكًا حول العالم.
وتعد المملكة من أكثر دول العالم استهلاكًا للبن؛ مما يعزز العمل بشكل كبير على إكثار زراعة البن؛ وهو ما تعمل عليه وزارة البيئة والمياه والزراعة بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من الناتج المحلي مستقبلًا ورفع العائد الاقتصادي؛ للإسهام في رفع الناتج المحلي غير النفطي وفق خطط وأهداف رؤية المملكة 2030.
وترتبط القهوة بالإرث الثقافي للمملكة؛ عبر سلسلة تاريخية حافلة بالعادات والتقاليد، وقيم ومعاني الكرم والضيافة؛ وذلك انطلاقًا من خصوصية تعامل المجتمع السعودي معها ومع أجوائها المميزة، من حيث الزراعة والتحضير والتقديم؛ مما يبرز التنوع في طرق إعداد وتقديم القهوة السعودية؛ حيث تم إبرازها عبر إقامة العديد من الفعاليات والمبادرات والأنشطة التي تقام على مدار العام؛ خاصة في ظل تقديم القهوة السعودية كعنصر ثقافي يرمز للقيم العليا التي يتميز بها الشعب السعودي من كرم الضيافة وحسن الاستقبال.
ما أن تفوح رائحة الهيل وتعم هي والبخور المكان، حتى تدرك أنك حللت ضيفًا في بيت سعودي أصيل؛ إذ تسبق الرائحة الزكية ترحيب المضيف في دلالة على استعداده المسبق للضيافة. وما إن تبدأ جلسة السمر حتى يصلك فنجان "الكيف" والتمر السكري ليأخذك المذاق الفريد في رحلة عبر الزمن تعيدك إلى حياة الأجداد. لا شك أن هذا الارتباط الوثيق بين فنجان القهوة والثقافة المحلية؛ هو ما دفع بوزارة الثقافة إلى إعلان عام 2022 عامًا للقهوة السعودية.
وتتميز المملكة بالقهوة زراعةً وتحضيرًا وتقديمًا، بلون ومذاق مختلفين في مختلف مناطقها، وتقدم للضيوف بطرق وأساليب متعددة؛ مما يمنح القهوة السعودية خصوصيتها وعمقها الثقافي الفريد؛ إذ لا تكاد تخلو أي مناسبة منها لارتباطها بالعادات والتقاليد؛ حيث تعتبر رمزًا من رموز الجود والكرم؛ يعقد معها الرجال المجالس الخاصة التي تتصدرها القهوة، وتسمى بـ"الشبة" أو "القهوة" أو "الديوانية"، ويرافقها دائمًا التمر الذي ظل ملازمًا لها من الماضي وحتى الوقت الحاضر.
كما عُرفت خطوات تقديم القهوة قديمًا بمسميات محددة اندثرت اليوم، وارتبطت دلالاتها القديمة بالتراث المحلي، فمثلًا يطلق اسم فنجان "الهيف" على الفنجان الذي يشربه المضيف أمام ضيوفه قبل التقديم لإثبات سلامة القهوة. أما فنجان "الكيف" فهو فنجان يحتسيه الضيف متلذذًا بطعم القهوة ويتبعه فنجان "الضيف" الذي يرمز للكرم ومكانة الضيف، ثم فنجان "السيف" الذي باحتسائه يتعاهد الضيف والمضيف على التآزر في الشدائد.
وهناك طقوس مختلفة في اختيار البن المخصص للقهوة السعودية، وتختلف درجات تحميصه من منطقة لأخرى، فهناك البن الهرري والقطمي والبرية، وأشهرهم هو البن الأشقر؛ في حين يبدأ تحضير القهوة بإضافة البن إلى الماء وغليه على نار هادئة لمدة عشر دقائق، وتضاف حينها البهارات بحسب الذوق كالقرفة والزنجبيل والزعفران. وبعد ذلك تُسكب القهوة في الدلة ويضاف إليها المقدار المناسب من الهيل، ولا تقدم القهوة مباشرة بل تُترك حتى تمتزج المكونات.
وتمتاز كل منطقة من مناطق المملكة بطريقة صنع مميزة للقهوة؛ حيث يضاف لقهوة منطقة نجد الهيل والزعفران، أما أهل الجنوب فيضيفون إلى المكونين السابقين القرنفل والزنجبيل والقرفة، ويمزج أهل حائل البن مع الهيل والزعفران والقرنفل؛ فيما يكتفي سكان غرب المملكة بالبن والهيل فقط؛ فيما يبتكر اليوم عشاق القهوة طرقًا مستحدثة لصناعتها؛ فبعضهم يضيف إليها الحليب أو مبيض القهوة؛ فيما كانت القهوة قديمًا تحضر على الحطب، وتطورت وسائل تحضيرها اليوم؛ فاخترعت لها دلة كهربائية وخلطة تحضير فورية.
وعُرفت تقاليد مختلفة في تقديمها؛ إذ يجب أن تمسك دلة القهوة وتصب باليد اليسرى ويقدم الفنجان للضيف باليد اليمنى، ويبدأ "صب القهوة" من الجهة اليمين من المجلس أو بدءًا من الأكبر سنًّا، والمتعارف عليه تكرار المضيف للصب حتى يقول الضيف "بس" أو يهز فنجانه، ومن يخالف هذه العادات يواجه استنكارًا شديدًا من قِبَل ضيوف المجلس.. وفي بعض القبائل يُملأ الفنجان للربع، والبعض إلى النصف؛ فيما تفضل بعض القبائل تقديم الفنجان مملوءًا، ولا يقبل تقديم القهوة في فنجان مخدوش لأنها تعتبر إهانة للضيف.
يذكر أن المنظمة الدولية للقهوة "ICO" تأسست في العاصمة البريطانية لندن عام 1963م، وتجمع أغلب الدول المصدرة للقهوة، والمستوردين الرئيسيين لها.