
في الثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام، تطوي المملكة صفحة جديدة في مسيرتها الحديثة، لتكمل في عامها الـ95 مسيرة إعادة التوحيد على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عام 1932، وهو حدث لم يكن عاديًا، بل جاء تتويجًا لتاريخ ممتد لقرون ثلاثة، منذ أن بزغت فكرة إقامة كيان يوحد الجزيرة العربية تحت راية واحدة.
الدرعية، العاصمة السعودية الأولى و"جوهرة المملكة" في عصرها الحديث، حملت بذور هذا المشروع منذ بدايات القرن الثامن عشر مع تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1727، لتبرز سريعًا كحاضرة سياسية واجتماعية مزدهرة، وصفها المؤرخ عثمان بن بشر في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد بما تحمله من رخاء وعز وقوة.
وفي مطلع القرن العشرين، بزغ نجم الشاب عبدالعزيز بن عبدالرحمن، الذي حمل حلم استعادة الدولة بعد فترتيها الأولى والثانية. وفي عام 1902 بدأ مشروعه متسلحًا بتجارب الماضي، واضعًا نصب عينيه بناء دولة ثالثة أكثر رسوخًا واستقرارًا. قرأ جغرافيا الجزيرة بوعي استراتيجي، فجمع بين موارد النفط، وقدسية مكة والمدينة، وصحراء الوسط، ليصوغ منها وحدة متينة.
وأطلق عام 1912 مشروع "الهجر" لتوطين القبائل، وهي خطوة اجتماعية طموحة شكّلت نواة المجتمع الجديد. وقد اعتبرها المفكر أمين الريحاني من أعظم إنجازاته، داعيًا حينها إلى استكمالها بالتعليم باعتباره سلاح البناء الموازي للقوة العسكرية.
لم يكتفِ الملك المؤسس بالانتصار في ميادين القتال، بل وضع أسس الدولة العصرية، محققًا التوازن بين السلطة والكيان المؤسسي. ومع تراجع الهيمنة البريطانية، تعامل بحكمة مع المتغيرات الدولية، فحافظ على استقلال قراره، وعزّز مكانة دولته الوليدة.
وجاء اليوم التاريخي في 23 سبتمبر 1932 حين صدر المرسوم الملكي بإعلان قيام المملكة العربية السعودية، إيذانًا بمرحلة جديدة لدولة أثبتت حضورها الإقليمي والعالمي.
ومنذ ذلك الحين، تتابع ملوك أبناء الملك عبدالعزيز على حمل الأمانة، وصولًا إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حيث تعيش المملكة مرحلة تحول نوعي مع رؤية 2030، التي تمزج بين جذور التاريخ العريق ومتطلبات المستقبل، لتظل السعودية نقطة التقاء بين ثلاث قارات، ورقمًا مؤثرًا في صناعة القرار العالمي.