"لن أبيع لك سمكة، إنما سأعلمك كيف تصطادها".. قد تتغير الكلمات؛ لكن الحيلة واحدة. المواقع الإلكترونية، والقنوات الفضائية التي تطلب منك دفع المال للحصول على المال مجاناً هي احتيالية من الدرجة الأولى (نمرة واستمارة).. معظم البشر لا يجيدون كشف "الكذب"، في المقابل معظمنا يظن أننا نجيد كشف "الكذب"!! وهذه أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل الحيل تنطلي علينا.. فمن الناحية التطورية، نثق بالناس بطبيعتنا؛ ولكن هذا يعني أيضًا أننا عرضة، ولقمة سهلة للمتربصين بِنَا الدوائر، لهذا يستغلون ذلك لتحقيق أهدافهم الشخصية الخبيثة. الكثير منا تلقى العديد بل الآلاف من الرسائل عبر بريده الإلكتروني الشخصي "تهنئه" على الفوز بمليون ريال أو بعملة الدولار وأخواتها.. ما عليك إلّا دفع رسوم "التحويل" لتحصل على الجائزة الكبرى (المليوووون). أو رسائل عبر جوالك المحمول تقول: "مبروك" تمت الموافقة على إعطائك قرضًا حسنًا، أو سكنًا.. حين "تنطلي" عليك الحيلة؛ تصدق من كل قلبك أنهم على وشك تحويل المال إلى حسابك، عندها يطلبون منك طلب (صُغنن) وهو دفع رسوم معينة! تدفع قليلًا من المال الآن، مقابل قدر كبير من المال لاحقاً.. والذي لن يأتي أبداً (راحت فلوسك يا صابر)! من أشهر الرسائل وأقدمها في عمليات الاحتيال؛ وتعود إلى مئات السنين، رسالة "تحقيق الحلم"، وهي مساعدة شخص ثري جداً.. فقط يحتاج إلى القليل من المال ورقم حسابك البنكي للخروج من مأزق رهيب، في مقابل هذا، سيمنحك مكافأة كبيرة تتجاوز ملايين الدولارات. كانت هذه الرسائل تأتي من أثرياء هاربين أو أمراء نيجيريين.!
أمّا مؤخراً؛ وتحديداً في وقتنا الحالي باتت تأتينا هذه "المسابقات" عبر قنوات تلفزيونية فضائية محسوبة علينا كسعوديين!! فهذه "القنوات" التي تتيح لنوعية تلك البرامج العازفة على وتر المال وشهوته لاصطياد متابعيها بتلك المحفزات المغرية.. والتي ستجعل من "الحلم" "حقيقة" فالمليون دولار، أو منزل "الأحلام" أصبحت قريبة المنال.. فكل ما عليك فعله هو الإمساك بهاتفك، والاتصال بالأرقام المرادفة لبلدك، ثم إجراء المكالمة لتدير مع المذيع حوارًا ستكسب على إثره دولارات ستغير حياتك! فتلك المسابقات، بمنزلة بيع "الوهم"، وهي طريقة جديدة للسطو على جيوب المشاهدين.. يرى عالم النفس الاجتماعي "إيريك هوفر" في تحليله لظاهرة "الحركات الجماهيرية"؛ أن حجر الزاوية في إنتاج المؤمن الحقيقي بجدوى تلك الحركات هو الإحباط الفردي لدى المرء من الظروف المحيطة، وهو ما يدفعه للبحث عما يحقق له طموحه من خلالها، وهو ما يتلاقى، من حيث الانطلاق من الشعور بالإحباط، مع ما تمنحه تلك المسابقات، فإن كانت الحركات الجماهيرية هي ما يمنح المحبط المعنوي أملاً عاطفيًا، فإن تلك المسابقات تمتلك من القدرة على مداواة الإحباط المادي بصورة شبيهة.
اتصل لتربح.. والواقع أربح أنا.. يحلل أكرم زيدان في كتابه "سيكولوجية المال" الدوافع النفسية للبحث عن المال، فيجمعها في عدد من النظريات، على رأسها نظرية التحليل النفسي لـ"سيجموند فرويد" التي يبين فيها دوافع جمع المال على أقسام عدة أهمها: الإحساس بالأمن، والشعور بالقوة، كما ترى النظرية السلوكية أن الأهداف الرئيسية لجمع المال تتركز في كونه يمثل الدعم الفعلي للإنسان في حياته الواقعية. فبالنظر إلى تلك الدوافع، فإنها الوتر الذي يلعب عليه مالكو تلك القنوات وصانعو برامجها المذكورة لتحقيق أكثر الأرباح الممكنة عبر أقصر الطرق، وهي ذاتها التي تحرك المتصل، الذي سيفقد أموالاً بسيطة بصورة مؤكدة في سبيل مكسب كبير محتمل، وهو ما يجعل من ملايين الاتصالات والرسائل المتدفقة مكاسب فائقة السرعة للقائمين على المسابقة. فهذه البرامج تعيد المجتمع إلى عصر "الفانوس السحري" مستغلة في ذلك الظروف الاقتصادية الصعبة لبعض الشباب الذي يعاني من البطالة، وقلة الدخل، مما يدعم من ثقافة الحظ لدى هؤلاء الشباب اللاهث وراء الثروة بأقصى سرعة ممكنة. فهذا يعتبر خداعًا مستمرًا، يطال البسطاء والمراهقين خاصة، على حساب قيمة العمل والكسب الحلال، وعرق الجبين، وإعمال الفكر، وإجهاد الجسم، ومواصلة الليل بالنهار، حتى تتحقق الآمال.. وليس ما يرى في الأحلام. فالواجب علينا جميعًا التصدي لهذه المسابقات "اليانصيب"، فهي تـقوم بمقام المخدر المجتمعي الذي يبدد همومك ويحقق أحلامك؟! فليس من العدل أن يخوض ملايين البشر المنافسة من أجل فوز محتمل، بنسبة لا تكاد تُرى، من أجل إثراء أكيد لخزائن من سيمنحونهم صدقة، أو زكاة المال التي سيتم تحصيلها (لهطها) من اتصالات المشاركين؛ بوصفها جائزة "الحلم"؟!!
همسة: هل تتناسب تلك الأوهام مع طموحات المرء الحقيقية!! ونترك لهذه "القنوات" الحبل على الغارب؟
(فاصلة) منقوطة؛ أول السطر..؛