تعيش المملكة العربية السعودية طفرة اقتصادية ونهضة شاملة في شتى مجالات التنمية، انطلاقًا من رمزيتها الإقليمية والعالمية وكونها مهد ومنبع الحضارات التي عمرت هذه الأرض، وتركت آثارها منذ فجر التاريخ، حيث تحتوي السعودية الكثير من الأماكن الأثرية والتاريخية الضخمة، أحدها مدينة العلا التي تحتوي آثار ما قبل الإسلام.
وسميت مدينة العلا بعدة أسماء قبل الاستقرار على هذا الاسم، حيث إنه في القرن السادس قبل الميلاد سُميت بـ"ديدان"، نسبة للشعب الديداني الذي استوطنها وانشأ مملكة فيها، كما أن اسمها في العصر الجاهلي كان قُرْح، وذلك لنشاطها كسوق تجارية هائلة، وفي نهاية القرن السادس الهجري، أُطلق عليها وادي القرى؛ وذلك بسبب كثرة القرى فيها.
وبدءًا من القرن السابع الهجري أطلق عليها "العُلا"، ويقال إنها سميت بذلك منذ القرن الثاني الهجري لكن شيوع الاسم تأخر حتى القرن السابع، وتم اختيار هذا الاسم لها لما فيها من آثار حضارات ما قبل الإسلام ومنها الكنعانيون، كما أنها شهدت قصة ناقة صالح عليه السلام.
وتقيم الهيئة الملكية لمحافظة العلا العديد من النشاطات تشجيعًا للسياحة والحفاظ على الآثار من أهمها منها مهرجان "شتاء طنطورة"، وما يحتويه من عمق تاريخي وحكاية طنطورة المزولة التي يستدل بها أهالي "العُلا" على الأوقات ومنها وقت الشتاء الذي تبدأ فيه الزراعة حيث يتباشرون به الأهالي.
وتحتوي العلا على تحفة معمارية هي مسرح قاعة "مرايا" التي تنهض الرمال مثل السراب، وتُغطي هيكل المبنى ألواح عاكسة تُظهر جمال العلا وتتناغم مع المناظر الطبيعية وسط الأودية الصحراوية. بمساحة 9,740 متر مربع من المرايا العاكسة، مما يجعلها أكبر مبنى عاكس في العالم وفقًا لموسوعة غينيس للأرقام القياسية.
واستضافت "مرايا" قمة مجلس التعاون الخليجي (يناير 2021) أو القمة الخليجية 41 وسميت كذلك «قمة السلطان قابوس والشيخ صباح» وسميت «قمة السلطان قابوس والشيخ صباح» بناء على توجيه من الملك سلمان "عرفانًا لما قدماه من أعمال جليلة عبر عقود من الزمن في دعم مسيرة المجلس المباركة".
وأُقيمت على مسرح المرايا الكثير من الحفلات لأهم نجوم الوطن العربي مثل: محمد عبده، أنغام، ماجد المهندس، كاظم الساهر، وأصالة نصري وكذلك مشاهير العالم مثل: اليشا كيز، جون ليجند، ون ريببلك، آشِر، وسيل. فضلاً عن المعارض الفنية والإبداعية، مثل معرض «شهرة: آندي وارهول في العُلا» ومعرض «ما يبقى في الأعماق».
ويُعد حفل توزيع جوائز منظمة السياحة العالمية من أهم الفعاليّات التي قامت في قاعة مرايا، حيث فازت بلدة العُلا القديمة بلقب أفضل قرية سياحية إلى جانب 32 قرية أخرى من جميع أنحاء العالم.
وتضم "العُلا" آثارًا قديمة تعود إلى أكثر من 300 سنة قبل الميلاد، وتشير الدراسات إلى أن العُلا زارها رحالة مسلمون خلال رحلاتهم إلى الحج منهم ابن بطوطة وعبد القادر الجزيري، ومستكشفون غربيون كالرحالة الإنجليزي كوك الذي أعد دراسة عن العُلا بعنوان "الكتابات السامية الشمالية".
وفي محافظ العُلا الحجر أو مدائن صالح وهي من الأماكن الأثرية التي يمكن أن يطلق عليها المتحف المفتوح حيث تبلغ مساحة المنطقة الأثرية 13.39 كم، وتضم هذه المساحة آثارًا قائمة وأخرى تنتظر الكشف عنها، والآثار القديمة في الحجر تتمثل في النقوش الصخرية التي تركها الأقوام المتعاقبة وهي آثار ثمودية ولحيانية ونبطية، وتقع الحجر على بعد 22 كم شمال شرق العُلا، عند دائرة عرض 47- 26 شمالاً، وخط طول 53- 37 شرقًا.
وتقع محافظة العلا شمال غرب المملكة، وتتبع إداريًا لإمارة منطقة المدينة المنورة، وتبعد عن مركز الإمارة تقريبًا 300 كيلو متر شمالاً، ويصل عمر الاستيطان البشري فيها إلى نحو 4000 عام.
وخلال زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى فرنسا يومي 9 و10 إبريل عام 2018م، تم التوقيع على اتفاقية بين حكومتي البلدين حول مشروع تطوير محافظة العُلا؛ وذلك من أجل حماية وتعزيز التراث الثقافي، وتعزيز المعرفة العلمية والتراثية بالمحافظة.
وفي فبراير عام 2019م، أطلق الأمير محمد بن سلمان رؤية العُلا التي تهدف إلى تطويرها بطريقة مسؤولة لتحويلھا إلى وجھة عالمية للتراث، مع الحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي في المنطقة بالتعاون مع المجتمع المحلي وفريق من الخبراء العالميين، وتُسهم الرؤية بـ120 مليار ريال سعودي من الناتج المحلي التراكمي.