ملفٌ شائك. عالقٌ منذ سنين. ويصح القول إن جهات حكومية أنهكته بتقاذفه. تتملص واحدة. وتذهب أخرى بعيداً. الضحايا سعوديون. والجلاد شركات سعودية. يعملون حرّاسُ أمن. يفتقدون الأمن. يتطلبون من يحميهم. ربما من الظلم تارةً، والقسوة الدنيوية تارةً أخرى.
لا يجدون بُداً من عرض مشاكلهم على الملأ عبر "السوشال ميديا". سئموا تقاذف ملفهم هنا وهناك. ملّوا عرض قضيتهم على الإعلام. باتت حتى الصحف تتهرب من فتح هذا الملف ليس خشيةً من شيءٍ ما، بل لأنها سئمت هي الأخرى من حلحلته، مقعدٌ هذا الملف. رائحة الظلم تفوح منه بكل وضوح.
يبدو أن هذا الملف سيصبح جزءًا من الماضي. ويبدو أن الضحية أخيراً وجدت من يستمع إليها ويشعر بها، وبالتالي ينصفها.. جاء توجيهٌ يحتوي صوتاً عالياً لقياداتٍ عُليا في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية. قلّ الحديث ودَلّ. مفاد الكلام دراسة وضع أبنائنا حراس الأمن ومعالجة ملفهم.
هذا الحديث ليس من جعبة الأمنيات. كان بمثابة بشرى ليست فقط لـ"حراس الأمن"، بل حتى للمواطن العادي الذي يتعاطف ويهب من أمواله الخاصة مساعدةً لهؤلاء، حين تظهر مشكلةً لهم هنا أو هناك. زف هذا الخبر ذات ليلة، رئيس لجنة الحراسات الأمنية الأهلية بغرفة الرياض متعب المطرفي الذي خرج في برنامج تم المسائي والذي يقدمه الزميل خالد العقيلي على شاشة قناة SBC، وقال إن "توجيهًا من رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية صدر قبل أقل من شهر لقياداتٍ عليا في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، طالبهم الأمير الشاب، بدراسة هذا الملف وتطوير نظام هذا القطاع، والرفع بتوصياتهم له شخصياً خلال شهر واحد فقط". قال له مقدم الحلقة الزميل العقيلي "ما دام وراء هذا الملف محمد بن سلمان.. إن شاء الله لن يطول الأمر".
ليس هذا فحسب، بل ألمح المطرفي إلى أن النظام الذي ستصدره وزارة العمل والتنمية الاجتماعية يحمل في طياته، رفع سقف رواتب العاملين في هذا القطاع إلى ما يزيد عن 4 آلاف ريال، مع زيادتها في حال حمل العامل به رتبةً أعلى من التي أدنى منه، مع ضرورة وجود تأمين طبي يكفل لهم تلقي العلاج مثلهم مثل أي موظف آخر.
احتوت تلك الحلقة من برنامج تم على ما يزيل الصورة النمطية ربما "الدونية" لدى بعض الفئات "النرجسية" للعاملين في قطاع "الحراسات الأمنية". في الواقع هناك من ينظر لهم بنوعٍ من القصور. صحيح البعض منهم ذو تعليم مُتدنٍ، لكن ذلك لا يُلغي إنسانيتهم ولا شدة بأسهم، كونه يعمل برغم من تعليمه ويعتمد على نفسه في جلب قوته. البعض من العاملين في هذا القطاع يتنقل على دراجة نارية. المهم أن لا تتوقف رحلة البحث عن حياة.. في هذه الحياة.
نايف الأحمري الذي حل ضيفاً على تلك الحلقة، بات ملهماً وليس إنساناً عادياً. عمل حارس أمن في سنين مضت. أكمل دراسته الثانوية والجامعية. درس القانون وتخرج محامياً. حمل الأحمري هم هذه الفئة لإدراكه ما تخفيه أروقة هذا القطاع من ظلمٍ يقع على أبناء جلدته، وربما عانى منه إبان عملة فيه. كان نايف قريباً من المجال حين عمل به، وحين خرج منه.
بالمحصلة الآن. يبدو أن هذا الملف سيصبح قيد النسيان. استشعر وشعر الإنسان محمد بن سلمان بالإنسان. أخيراً العاملون في قطاع حرّاس الأمن سيحصلون على الأمان. شكراً للمنان على نعمه الكثيرة التي لا تُعدُ ولا تُحصى. اللهم لك الحمد يا حَنّان على نعمتان. الأمان. والإنسان.. "أبا سلمان".