"التفاتٌ واستعارةٌ وكناية".. أساليب بلاغية يعجز البشر عن محاكاتها في القرآن الكريم

في حلقة "سبق" الرمضانية الثالثة من "قبسات بلاغية" مع "الخريصي"
"التفاتٌ واستعارةٌ وكناية".. أساليب بلاغية يعجز البشر عن محاكاتها في القرآن الكريم
تم النشر في

المُتأمّل لآيات القرآن الكريم يُدرك ما بها من المواقف البلاغية التي يعجز البشر عن مُحاكاتها أو الوصول إلى أساليبها العميقة؛ لذا حثّنا الله، جلَّ في عُلاه، على أن نتدبّر آياته ونعمل بما فيها من شرائع وحجج.

"سبق"، وفي الحلقة الرمضانية "الثالثة" من "قبسات بلاغية"؛ تُسلّط الضوء على جانب مِمّا جاء من أساليب تستحقّ التوقّف في الجزء الثاني من القرآن الكريم، وتُقدّمها مع دكتور البلاغة والنقد "زيد بن فرج الخريصي".

أسلوب الالتفات

بدايةً قال: إن المتأمّل لكلام الله ليجد أن كلام الله مليء بالأساليب البلاغية، ولا تجد آية إلا وفيها ما فيها من بلاغة؛ ومن هذه الأساليب البلاغية التي تطالعنا في الجزء الثاني من القرآن الكريم "أسلوب الالتفات"، وهو أسلوب بلاغي يقوم على الانتقال من صيغة خطابية إلى صيغة أخرى، كأنْ ينتقل الكلام من خطاب الحاضر إلى الغائب، ومن خطاب الغائب إلى الحاضر، ومن خطاب المتكلم إلى المخاطب، إلى غير ذلك من صيغ الانتقال.

وأضاف "الخريصي": من الشواهد على ذلك ما جاء في الآية الكريمة "١٥٩" في قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ"، لم يقل: أولئك نلعنهم، وإنما قال: فأولئك يلعنهم الله، بصيغة الغائب، وهو التفات من المتكلم إلى الغائب؛ إظهارًا للسخط عليهم والإعراض عنهم، وفيه إدخال الروعة والإشعار بأن مبدأ صدور اللعن عنه سبحانه!

أسلوب الاستعارة

وأشار "دكتور البلاغة والنقد": من الأساليب البلاغية "الاستعارة"؛ وهي "تشبيه حُذِفَ أحد طرفيه"؛ أي المشبه أو المشبه به، ومن شواهدها الآية الكريم "١٦٩" في قوله تعالى: "إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ"، ويرد السؤال: كيف كان الشيطان آمرًا مع قوله تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ…"؟ وهذا الكلام ليس على حقيقته، إنما على سبيل الاستعارة التصريحية؛ حيث شبه تزيين الشيطان وبعثه على الشر بأمر الآمر، على سبيل الاستعارة التصريحية، ولا شك أن مجيء الاستعارة في هذا المقام، كان له الأثر البالغ على المخاطب، ومن هنا وقع هذا السؤال.

أسلوب الكناية

وختم "الخريصي": من الأساليب البلاغية "الكناية"؛ وهي "لفظ أريد به غير معناه الذي وُضع له، مع جواز إرادة المعنى الأصلي؛ لعدم وجود قرينة مانعة من إرادته، نحو: "زيد طويل النجاد" تريد بهذا التركيب أنه شجاع عظيم، فعدلت عن التصريح بهذه الصفة إلى الإشارة إليها بشيء تترتّب عليه وتلزمه؛ لأنه يلزم من طول حمالة السيف طول صاحبه، ويلزم من طول الجسم الشجاعة عادة، فإذًا المراد طول قامته"، من بلاغة القرآن أنه يستعمل الأسلوب الكنائي عما يقبح التصريح به، خاصة ما يكون بين الزوج وزوجته، بألفاظ غاية في النزاهة.

وواصل: قال تعالى:.. الإتيان، والرفث، والتغشية، والقربان، والمس، واللمس، والنكاح، والسر، والمباشرة، ولكل من هذه الألفاظ سره البلاغي الذي جاء مناسبًا له، ومن شواهد ذلك ما جاء في الآية الكريمة "١٨٧" في قوله تعالى: "… هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ …"؛ عبَّر باللباس عن الجماع؛ لأن اللباس ما يكون بجسم الإنسان، والرجل والمرأة إذ يشتمل كل واحد منهما على الآخر ويعتنقان يشبهان اللباس المشتمل عليهما، أو لأن كل واحد منهما يستر صاحبه ويمنعه عن الفجور.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org