
رثى الدكتور أحمد بن محمد السالم، نائب وزير الداخلية وأمين عام مجلس وزراء الداخلية العرب السابق، الفقيد عبدالعزيز بن عبدالله السالم، أحد رجالات الدولة في يوم الأحد الموافق ١٠/١١ / ٢٠٢٤م، والذي توفي إلى رحمة الله، موضحًا أن الفقيد قامة من قامات البلاد، ورجل من رجالاتها النبلاء ورمز من رموز الفكر والثقافة والأدب، كرّس جهده ووقته لخدمة هذا الوطن الغالي على مدار ستة عقود تقريباً.
وقال الدكتور أحمد في كلماته الرثائية: حقاً خيم عليّ الحزن، وانتابني الألم والأسى، برحيل هذا الرجل منبع الخير والبركة، فكأنه نجم ساطع فل، وشمس أشرقت وغابت، وشجرة مثمرة تساقطت أوراقها وجفت ثمارها وعطاؤها، تاركاً إرثاً غنياً من الإنجازات والمساهمات الأدبية والإدارية، فكان متوازنًا ما بين القيام بأعباء ومسؤوليات المناصب القيادية التي تدرج فيها، وبين أداء واجباته الدينية، فلم يكن يوماً ما طالباً للوظائف والمناصب، بل أُسندت إليه المهام تكليفاً لا تشريفاً، وفشل على حد قوله في الابتعاد عن المناصب القيادية، ليتفرغ إلى المهنة المحببة إلى نفسه، ألا وهي الكتابة والتأليف في المجالات الثقافية والأدبية.
وأضاف: في عام ١٩٥١م كتب مقالاً متميزاً في جريدة البلاد ينتقد فيه التعليم ويقترح الحلول. ووجد هذا المقال صدى كبيراً في الأوساط الثقافية والتعليمية، فاستقطبه آنذاك الأمير فهد بن عبدالعزيز-تغمده الله بواسع رحمته- حال تعيينه وزيراً للمعارف في عام ١٩٥٣م. فلاحظ سموه في هذا الشاب الذي لم يتجاوز عمره (٢٠) ربيعاً النضوج المبكر وصدق الانتماء لوطنه وإخلاصه لولاة الأمر، فلا غرو أن يصطحبه الملك فهد في كل محطات عمله.
وأردف الدكتور أحمد: قبل وفاة الملك فهد بأشهر، نال العم عبدالعزيز مبتغاه بالتخلي عن منصب الأمين العام لمجلس الوزراء، ليتفرغ أكثر لأسرته ومشاركتها أفراحها وأتراحها، وواصل المسيرة في كتابة المقالات الثقافية والفكرية بحرية وبدون قيود الوظيفة والتزاماتها، فقد كان يكتب وهو على رأس العمل مقاله الأسبوعي في جريدة الرياض باسم مستعار "مسلم بن عبدالله المسلم" ولأكثر من (١٤) عاماً، كما استغل فرصة الفراغ في مضاعفة الأعمال الخيرية والمزيد من الطاعات.
وتابع في رثائه للفقيد: جدير بالذكر بأن أعماله الإنسانية والخيرية لم تنقطع عن المحتاجين في بلدته ومسقط رأسه العاصمة الأولى (الدرعية)، بل بنى بيتاً لله في تلك البلدة. وكان دائماً ما يردد كلام بعض السلف"أعمل لآخرتك كأنك تموت غداً وأعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً". ولكنه كان منحازاً ومنشغلاً أكثر بالطاعات والعبادات والتقرب إلى رب العالمين، وغالباً ما يسبق الإمام والمؤذن في روضة المسجد لاسيما في صلاة الفجر. فلا جاه يبتغيه، ولا شهرة يسعى إليها، ولا مال يهرول وراءه، وعاش في منزل متواضع تجاوز عمره (٤٥) عاماً، ما زالت أسرته الصغيرة اليوم تسكنه، مرت عليه فرص كثيرة وطفرات مالية واقتصادية عديدة، فلم يلق لها جانباً، ويكتفي بما لديه، وفي كل مرة يحمد الله على نعمه التي لا تحصى، ويذكرني في ورعه وزهده بالشيخ عبدالعزيز بن باز ، حيث كان من تلاميذه، فكان جليس المشايخ والعلماء والأدباء والمفكرين.
وقال الدكتور أحمد: أما بالنسبة لعائلته وأفراد أسرته، فالكل يتطلع أن يصل إلى ما وصل إليه من سمت ودماثة أخلاق، وعلم وفير، وثقافة واسعة، ورقي في الأسلوب، وأمانة في الأداء، ومكانة رفيعة لدى ولاة الأمر،. فهو رجل دولة ورأيه مسموع لدى القيادة الرشيدة، لسابق علمهم بمدى إخلاصه ونزاهته وسلامة مقصده، فيقدم مصلحة البلاد والعباد على مصالحه الذاتية. كان لي بمثابة الوالد لاسيما وأنه سمى ابنه الأصغر (أحمد) باسمي، فلا أنسى فضله على تحفيزي وتشجيعي على العلم والتعلم، ونهلت من معين تجاربه وخبراته الكثير من المعارف والآراء السديدة، التي ساعدتني في مشواري الوظيفي، مما سمح لي بالوصول إلى بر الأمان، والسير على نهجه القويم، فالانتماء للوطن والإخلاص لولاة الأمر والتفاني في أداء الواجب توارثناها أباً عن جد ومغروسة في صغيرنا قبل كبيرنا، وذلك منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى قبل حوالي ثلاثة قرون. وغيابه عني، أحدث فراغاً كبيراً وحزناً عميقاً في القلب والوجدان. ولا أستطيع القول إزاء مصابنا الجلل إلا "أنا لله وإنا اليه راجعون".
واختتم بالقول: أتقدم أصالة عن نفسي ونيابة عن أفراد أسرة آل سالم بأسمى عبارات الشكر والامتنان والتقدير لمولاي خادم الحرمين الشريفين وسيدي ولي عهده الأمين وصاحب السمو الملكي وزير الداخلية على مواساتهم في فقيد الوطن والتخفيف من أحزاننا وآلامنا. والشكر موصول لكل من واسانا من أصحاب السمو وأصحاب المعالي والسعادة و أبناء الوطن الأوفياء، كما أثمن عالياً كل من كتب عن مآثر فقيدنا الغالي وأعماله الخيرة ومواقفه النبيلة، ويحضرني زملاؤه على الساحة الإعلامية والثقافية والأدبية، ومركز حمد الجاسر(علامة الجزيرة) الثقافي وسعادة الأخ الدكتور عبدالعزيز بن صالح بن سلمة، والأديب القدير الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي، والأخ أحمد بن عبدالمحسن العساف، والأخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف، والأستاذ سهم بن ضاوي الدعجاني، ويعذرني من لم يرد ذكره، والعم يستحق لمسة وفاء وتكريم، وإن شاء الله إنه عند البارئ عز وجل مكرم معزز في أعلى درجات النعيم مع الأبرار والصالحين. والحمدالله على قضاء الله وحسن المآب لرب رؤوف رحيم تشفع له بإذن الله أعماله الصالحة وخدماته الجليلة، ولا أقول وداعاً لعم نبيل ورجل دولة، فنحن بمشيئة الله اللاحقون به في جنات الخلد، دار القرار والبقاء، في يوم لا ينفع مال أو بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، اللهم ثبته عند السؤال وأكرم نزله وآنس وحشته واجعل قبره ضياءً ونوراً لا ينقطع، كما كان لنا في دنيانا سراجاً منيراً وشعلة لا تنطفئ. اللهم آمين.