"العيسى" يلقي كلمة ممثلي الدين الإسلامي خلال أكبر تجمّع لأجل السلام يدعمه الفاتيكان

د. العيسى في المنصة الرئيسة لجلسة افتتاح الاجتماع الدولي من أجل السلام في روما ممثلاً للدين الإسلامي
د. العيسى في المنصة الرئيسة لجلسة افتتاح الاجتماع الدولي من أجل السلام في روما ممثلاً للدين الإسلامي

شارك الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، باعتباره ممثلًا لجهود الدبلوماسية الإسلامية وإسهامات القيادة الدينية في معالجة القضايا المعاصرة، في الجلسة الافتتاحية لـ"الاجتماع الدولي المتنوع من أجل السلام"، وذلك بحضور ناهز الـ3500 مدعو، ووسط مخاوف من أزمات عالمية خطرة، وتهديدات تحولات سوء التفاهم، وما ينشأ عنه من كراهية وعداء وحروب.

وجاءت مشاركة "العيسى" إلى جانب رئيس الجمهورية الإيطالية السيد سيرجيو ماتاريلا، ورئيس الجمهورية الفرنسية السيد إيمانويل ماكرون، في الحدث الذي تستضيفه العاصمة الإيطالية روما، بدعم الفاتيكان ومشاركة البابا، وكبار الزعماء الدينيين، وممثلي الشعوب والثقافات من جميع أنحاء العالم.

وكان "العيسى" قد أعلن مؤخرًا عن إطلاق مبادرة عالمية ستعمل عليها رابطة العالم الإسلامي بكل إمكاناتها، بعنوان: "تعزيز الصداقة والتعاون بين الأمم والشعوب"، كما أعلن، باعتباره الرئيس المشارك لقمة الأديان لمجموعة العشرين، عن تأسيس منتدى "بناء الجُسور بين الشرق والغرب.. من أجل عالمٍ أكثر تفاهمًا وسلامًا، ومجتمعاتٍ أكثر تعايشًا ووئامًا"، تحت رئاسة مجموعة التواصل لقمة الأديان لمجموعة العشرين (R20).

وأكد أن المنتدى المُزمع إطلاقه سيكون جزءًا من مجموعة تواصُل الأديان لمجموعة العشرين، التي اعتمدتها مؤخرًا رئاسة (G20)، ليكون جزءًا من مجموعة (R20)، يُعنى بطرح القضايا المعاصرة الأكثر إلحاحًا في مجالات اختصاصه.

ويُعقد هذا الاجتماع الدولي بعنوان: "صرخة من أجل السلام"، ويشهد تغطية إعلامية عالمية واسعة النطاق، وحضورًا دوليًا كبيرًا ركَّز على القيادات الدينية والفكرية والمجتمعية البارزة حول العالم مع ضيفي شرف المؤتمر وهما الرئيسان الإيطالي والفرنسي.

ويشهد الاجتماع من أجل السلام 14 منتدى نقاشيًا، تهدف إلى تحقيق التكامل بين الجهود، من أجل تأسيس بنية أقوى للحوار والصداقة بين الشعوب والثقافات، تسهم في دعم رسالة السلام، وتعزز تأثيرها في السياقات المعاصرة، في ظل تهديدات معقدة متعددة.

وألقى "ماتاريلا" كلمة الدولة المضيفة، رحّب فيها بالأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ د. محمد العيسى والمشاركين على منصة جلسة الافتتاح من القيادات الدينية للأديان الثلاثة، مؤكدًا أن السلام عملية مستمرة وليس لحظة في التاريخ؛ فالسلام يستلزم الشجاعة والإصرار والإرادة السياسية والالتزام الفردي.

وشدّد على الدور الأساسي للأديان وقادتها في هذه العملية، مضيفًا: "ومن الصواب وجود احترامٍ متبادل بين المجتمعات الدينية المتعددة، واحترامٍ لكرامة كل فرد وكل شعب؛ فالأديان جزء من الحل من ناحية التعايش المشترك الأكثر تناغمًا، مع التأكيد على مبدأ الأخوة، ومبدأ التضامن الذي يجب أن يُلهم النظام العالمي".

من جانبه، ألقى "العيسى" كلمة تطرق فيها إلى وحدة الإنسانية في الأصل والتكريم الإلهي حيث فضّل الخالق سبحانه الإنسان على سائر الخلق، موضحًا أن هذا التميّز الذي اختص الله البشر به لا يأتي دون مسؤوليات، بل إن الإنسان عليه اِلتزام إيماني وأخلاقي حتمي.

وقال "العيسى": عالمنا اليوم يسوده الصراع في معارك مستمرة، يتصارع فيها إخوة تجمعهم مشتركات خاصة وعامة وكان حريًا أن يحضر صوت الحوار والحكمة بفاعلية وتأثير لمصلحة الجميع".

وشدّد على أن ابتعاد مُكوّنات عالمنا "بعضها عن بعض"، يُشكّل منطقة فراغ، تنشأ عنها أفكارٌ وتأويلات سلبية، ينتج عنها في نهاية المطاف قناعات وقرارات قد تكون فادحة الخطورة والتعقيد، أما الحوارات الحكيمة والنوايا المخلصة والوعود الصادقة، مع قدر من التسامح المتبادل؛ فهذه لا تَحُول دون نشوب الصراعات فقط، بل ينشأ عنها ثقة وصداقة وتعاون وسلام مستدام.

وتساءل عن الدور الذي لا بُدّ أن يقوم به أتباع الأديان وغيرهم في صنع السلام، وأجاب بأن الله كلّف الإنسان مسؤولية عمارة الأرض، وهذه تعني القيام بما يجب من المحافظة على سلام عالمنا.

وتابع: الإيمان الديني عقيدة والانتماء الوطني هوية والتزام، والقيام بعمارة الأرض والحفاظ عليها مسؤولية، والإحساس بهذه المسؤولية من واقعِ إيمانٍ وشعورٍ بالمساءلة أمام الخالق من أهم محفزات استدعاء المخاطر وتغليب منطق الحكمة والتسامح المتبادل ويدعم ذلك النوايا الصادقة والحوار المنطقي والفعال.

وكشف "العيسى" أن العالم قد عانى من مضاعفات محاولة التلاعب بالدِّين، وأن البشرية قد شهدت دمارًا وهجماتٍ بشعة بسبب ذلك.

وقال: "لقد قاسى العالم عبر تاريخه الطويل من مرارة الصراع بين بعض أتباع الأديان والحضارات، ومن تعميق الانقسامات التي تجاهلت الكثير من المشتركات باعتبارها كفيلةً لضمان سلام العالم ووئام مجتمعاته الوطنية؛ فالدِّين ليس مشكلة في أصله كما يروج له البعض، وإنما المشكلة في فهمه وتطبيقه، كما أن المشكلة أيضًا في توظيفه وتحريف أهدافه النبيلة لمصالح مادية كثيرًا ما تخرج عن الوصف الإنساني والأخلاقي".

ورأى أن استغلال الدين هو أسوأ أشكال الاستغلال، حيث يتحدث الكذابون باسم الخالق سبحانه وتعالى، ويُسَوِّقون لذلك أمام قطيعهم الذي لا يدري ما هي الحقيقة بسبب الخداع والكذب.

ودعا "العيسى" إلى إدراك أن البشر مختلفون ومتنوعون، وقال: هذه هي الطبيعة الحتمية للحياة التي نشأت بإرادة إلهية، لذا فإن على البشر معرفة أن الإرادة الحكيمة للخالق لم تُرِد بهم شرًا حينما جعلت هذا العالم متنوعًا، وأما من يمتلك الحقيقة فعليه أن يقدمها للآخرين في قالب الإهداء والتلطف والمحبة.

وأضاف: رابطة العالم الإسلامي، التي تتخذ من مكة المكرمة مقرًا رئيسًا لها، قد قطعت على نفسها وعدًا بأن تحترم الجميع وتخدم الإنسانية، وأن تنشر الوعي بأهمية ضبط العواطف الدينية وجعلها أكثر استنارةً وحكمةً، وهذا ينبع من إيماننا بأن في الإنسان بذرة خير لا بد أن تظل حيةً في الوجدان، وأن تَنشط في الخارج بالأعمال الطيبة.

واختتم بالتأكيد على أن الجميع يريد السلام العالمي، ولا سلام إلا بالسلام الداخلي والتفاهم الحكيم والأخوي. وبهذا سيخرج العقلاء الحكماء منتصرين على أي اختراق لقيمهم المشتركة: "الدينية والوطنية والإنسانية".

في سياق متصل، قال ماكرون: التحديات التي تواجهها أوروبا حاليًا، وتعاني منها الكثير من المناطق الأخرى في العالم، تدفع الجميع للتساؤل عن مدى ما يمكن للأديان فعله للحد من عواقب الحروب الحالية، ومنع وقوع حروبٍ مستقبلية.

وشدد على أن للأديان دورًا رئيسًا في نشر السلام، لكونها قادرةً على بناء نسيج المجتمع وتقوية الروابط بين الأفراد، وهذان الأمران بالغا الأهمية.

وأضاف: "الأديان وقادتها يستطيعون مقاومة حماقات عصرنا، من خلال عدم دعم أي مشروع سياسي يتضمن حرمان البشر من كرامتهم. إن الأديان هي وحدها القادرة على إبراء ذمة البشر".

وألقيت بعد ذلك كلمة ممثلي بقية الأديان الثلاثة، ثم ختم بابا الفاتيكان المؤتمر بحديث تطرق لأهم محاوره.

جدير بالذكر أن المؤتمر حضره كافة طوائف الديانات الثلاث والتنوع الثقافي والفكري حول العالم، وتم اختيار أمين عام رابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ الدكتور "العيسى" لإلقاء كلمة ممثلي الدين الإسلامي.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org